أسطنبول، الاتحاد الأوروبي يعبر عن سعادته بتدشين "أنبوب توركْ سْتريم" لنقل الغاز الروسي عبر تركيا إلى أوروبا" - الإيطالية نيوز

الأربعاء، 8 يناير 2020

أسطنبول، الاتحاد الأوروبي يعبر عن سعادته بتدشين "أنبوب توركْ سْتريم" لنقل الغاز الروسي عبر تركيا إلى أوروبا"

 الإيطالية نيوز ، 8 يناير 2020 - أعلن الإتحاد الأوروبي، اليوم،  اعطاء إنطلاقة تشغيل خط أنابيب  "تورك ستريم" (TurkStream) بشكل رسميل. 
مراسيم تدشين انطلاقة هذا المشروع المهم حضره كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره رجب طيب أردوغان،  بمشاركة رئيس الوزراء البلغاري بويكو بوريسوف والرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش. لقد قلب القادة الأربعة الصمام الذي يبدأ الإمدادات.
ودشن الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان خط أنابيب السيل التركي ("تورك ستريم") الذي سينقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر تركيا،. خطوة تأتي في سياق مساعي روسيا لتعزيز نفوذها في إمداد أوروبا بالغاز  فيما تواجه محاولات أميركية لمحاصرتها، في وقت ترى تركيا في المشروع فرصة لها في تأكيد أهمية دورها كدولة ترانزيت في سوق الطاقة العالمية.
مرحلة جديدة تدخلها العلاقات الروسية التركية والروسية الأوروبية مع افتتاح الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان، في اسطنبول، خط السيل التركي “تورك ستريم” لنقل الغاز الروسي إلى تركيا ودول جنوب شرق أوروبا.
الخط الجديد سيعزز من اعتماد الدول الأوروبية على الغاز الروسي بعيداً عن الخط القديم الذي يمر عبر أوكرانيا، ويشكل عامل قوة لموسكو للاستغناء عن الجارة كييف في هذا الإطار، فيما تؤكد تركيا أن الخط سيعزز من دورها، مكرّساً واقعاً جديداً وهو أن”لا غنى عنها في الأسواق الدولية، بفضل خطوط نقل الغاز الطبيعي المارة عبر أراضيها من الشرق والشمال” بحسب تعبير وزير الطاقة والموارد الطبيعية، فاتح دونماز.
وبدأت شركة “غازبروم” الروسية المنتجة للغاز في الأول من يناير شحن نحو ثلاثة مليارات قدم مكعبة من الغاز إلى بلغاريا عبر “تورك ستريم”، بدلاً من طريق كان يمر بأوكرانيا ورومانيا، ووصلت الشحنة إلى دول بلغارايا واليونان وجمهورية شمال مقدونيا، على أن يصل إلى المجر وصربيا في العام المقبل، بعد الانتهاء من العمل على إنجاز الخط البري خلال العام الحالي،  وفي النصف الثاني من 2022 إلى سلوفاكيا، وهذه الدول تتلقى حالياً الغاز الروسي عبر أوكرانيا.
فكرة المشروع
يتألف مشروع “السيل التركي” والذي تقدر قيمته بـ12 مليار دولار، من أنبوبين بقدرة 15.75 مليار متر مكعب من الغاز سنويّاً لكل منهما، وهو يعبر مسافة 930 كيلومتراً من البحر الأسود على غرار سلفه خطّ أنبوب «بلو ستريم»، إذ يغذّي الأنبوب الأول تركيا، والثاني دول شرقي وجنوبي أوروبا.
ويفترض أن يشتمل المشروع عند اكتماله على أربعة خطوط تبلغ قدرة إمدادها الإجمالية 63 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً، إلا أن المرحلة الحالية من المشروع ستقتصر على خطين فقط.
وكانت المرحلة الأولى من مشروع خط أنابيب الغاز العابر للأناضول “تاناب” استكملت في يونيو عام 2018، والجزء البحري من مشروع السيل التركي للغاز في نوفمبر من العام ذاته، وقد جرى ربط الأقسام البحرية والبرية من في مارس عام 2019، قبل أن تعلن شركة “غازبروم” الروسية الشريكة في المشروع في تشرين نوفمبر الماضي الانتهاء الفعلي من بناء الخط وملء خطي الأنابيب بالغاز.
ويعود أصل المشروع إلى رغبة روسيا في الاستغناء عن أوكرانيا، البلد الرئيس الذي تمر عبره أكثر من 80% من واردات أوروبا من الغاز الروسي في السنوات الأولى للألفية الثانية. ومع بدء الخلافات بين روسيا وأوكرانيا منذ العام 2004 بدأت موسكو بالتفكير عن بدائل أخرى لعبور  غازها عبر الأراضي الأوكرانية، فكان اتفاقها مع ألمانيا على 2011 لبناء خط أنابيب بحري “نورث ستريم” الذي يمر عبر بحر الشمال ويسمح بتوريد 55 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنوياً إلى ألمانيا مباشرة، لتقل بذلك نسبة الغاز الروسي الذي يمر عبر الأراضي الأوكرانية إلى نحو 48 في المئة.
وبعد استعار الخلاف بين الجارين في العام 2014 على خلفية استعادة موسكو لشبه جزيرة القرم، فشلت روسيا في إقناع بلغاريا بمشروع بناء خطوط أنابيب تمر عبر أراضيها تحت اسم “ساوث ستريم”، بعد فرض الاتحاد الأوروبي _ وبلغاريا أحد أعضائه- عقوبات اقتصادية على روسيا، فضلاً عن الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة كي لا يرى المشروع النور، في سياق المخاوف الغربية من ازدياد النفوذ الروسي.
وفي الأول من ديسمبر عام 2014، أعلن بوتين لأول مرة عن مشروع “السيل التركي” أثناء زيارته لتركيا. وبعد ذلك علّقت المفاوضات بشأنه في 3 ديسمبر عام 2015 بسبب توتر العلاقات الدبلوماسية بين موسكو وأنقرة عقب إسقاط مقاتلة روسية قرب الحدود التركية مع سوريا، ليعود ويستأنف العمل بالمشروع بعد عودة الدفء للعلاقات بين البلدين، ووُقّع المشروع رسمياً في إسطنبول في اكتوبر عام 2016.
أهداف المشروع
 تعتبر تركيا ثاني أكبر مستهلك للغاز الروسي بعد ألمانيا. ويأتي الخط ليعزز العلاقات بين البلدين بشكل أكبر على الصعيدين السياسي والاقتصادي. وبحسب شركة “غازبروم” فإن الخط يضمن وصول الغاز الروسي إلى تركيا وموثوقية عمليات التسليم إلى تركيا وبلدان جنوب وجنوب شرق أوروبا.
وعن الفوائد المرتجاة لروسيا وتركيا، يرى أستاذ الاقتصاد في “أكاديمية العلاقات الدولية” بتركيا، أحمد ذكر الله، في تصريح لقناة TRT عربي، أن “تركيا وروسيا تتوحدان في ما يخصّ سعيهما للابتعاد عن الهيمنة الأميركية والأوروبية”، مضيفاً أن ذلك “يخدم تركيا التي تعزّز مكانتها كقوة إقليمية ودولية، ويخدم اقتصادها الذي تريده أن يدخل تصنيف الاقتصادات العشرة الأولى في العالم، كما يخدم روسيا التي تضع نصب أعينها أسواقاً جديدة أوروبية وآسيوية لا يمكن الوصول إليها من دون العبور بالأراضي التركية، كما أن مشروع السيل يساعد على تقوية الحصة السوقية لروسيا في السوق الأوروبية”.
ويضيف ذكر الله أن “مشروع السيل” لن يوفر لتركيا فقط احتياجاتها من الغاز بأسعار تفضيلية، “بل إنه سيخفض تكلفة الإنتاج لديها ويوفر على الدولة مصاريف هامة، كما ستدعم مداخيلها عبر العائدات المتأتية من عبور الأنابيب بأراضيها”.
يذكر أن تركيا تستورد أكثر من 90% من احتياجاتها من الطاقة.
كذلك فإن إنجاز مشروع “السيل التركي” يعطي العلاقات بين روسيا وتركيا بعداً إضافياً وهي الآخذة بالتطور، وفي هذا الإطار يقول الرئيس التركي إن المشروع يعتبر بمثابة ضامن للعلاقات الاقتصادية والسياسية بين أنقرة وموسكو، فيما كان بوتين قد أكد في وقت سابق أن المشروع “ليس موجهاً ضد أحد، وهو يحمل طابعاً بناءاً”.
أما على الجانب الروسي فهناك أيضاً فوائد مرتجاة من المشروع. ورغم تأكيد بوتين أن بلاده ستحافظ على مرور غازها عبر أوكرانيا إلا أن “السيل التركي” سيخفض اعتماد امدادات الغاز الروسي لأوروبا على العبور من أوكرانيا حيث يكلف موسكو حوالي ثلاثة مليارات دولار في السنة.
أوكرانيا عبرت عن رفضها للمشروع، إضافة إلى مشروع “نورد ستريم 2″، وقال رئيس مجلس شؤون صناعة الغاز وسوق الغاز الطبيعي الأوكراني ليونيد أونيغوفسكي، إن نقل الغاز الروسي عبر أوكرانيا سيتقلص بعد تشغيل الخط الأول من “السيل التركي” بمقدار 12-13 مليار متر مكعب سنويا.
وأشار أونيغوفسكي إلى أن بلاده لن تتمكن من الحفاظ على كمية 90-70 مليار متر مكعب، ويجب أن تسعى على الأقل للحفاظ على 40-60 مليار متر مكعب.
كذلك سيضمن المشروع لموسكو تعزيز نفوذها في سوق الطاقة الأوروبية في وقت تواجه فيه محاولات للتضييق عليها عبر الغاز الصخري الأميركي أو عبر ما يثار عن مزاحمة غاز شرق المتوسط، واستعماله كورقة ضد موسكو لمواجهة نفوذها في أوروبا.
موسكو ومواجهة واشنطن
تدرك موسكو أن افتتاح الخط الجديد سيثير حفيظة واشنطن التي بادر رئيسها مؤخراً بفرض عقوبات على الشركات المشاركة في بناء خطي “نورد ستريم2” و”تورك ستريم”، معتبراً  أن المشروعين سيزيدان من ارتهان الأوروبيين للغاز الروسي، وتالياً تعزيز نفوذ موسكو، وهي المبررات التي رفضتها وندد بها كل من ألمانيا والاتحاد الأوروبي.
إضافة إلى ذلك جاء الاتفاق الروسي-الأوكراني مؤخراً بمثابة خطوة للالتفاف على العقوبات الأميركية التي استهدفت تضييق الخناق على صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا، حيث أجرت شركة “غازبروم” الروسية، تسوية مع نظيرتها الأوكرانية “نفطوغاز” في إطار صفقة حول نقل الغاز لأوروبا.
ودفعت “غازبروم” 2.9 مليار دولار لـ”نفطوغاز”، لتسوية نزاع قضائي، وفق ما أعلنت الشركة الأوكرانية، بينما كان الطرفان قد توصلا الأسبوع الماضي إلى تمديد اتفاق، لتصدير غاز روسيا إلى أوروبا لما لا يقل عن خمس سنوات أخرى عبر أراضي جارتها السوفييتية سابقا.
وينص الاتفاق الجديد، على دفع “غازبروم” التعويضات للشركة الأوكرانية بقيمة 2.9 مليار دولار بموجب قرار محكمة استوكهولم، في مقابل تخلي أوكرانيا عن مطالبها بتجميد أصول “غازبروم” بقيمة 7.4 مليارات دولار. كما اتفق الطرفان على سحب الدعاوى القضائية التي رفعاها ضد بعضهما البعض، والتي لم تصدر أحكام نهائية بشأنها.
إصافة إلى ذلك أكدت موسكو أن خط “نورد ستريم2” الروسي لنقل الغاز إلى ألمانيا وغرب أوروبا سيصبح قيد الخدمة قبل نهاية 2020 رغم العقوبات الاميركية على الشركات التي تساهم في بنائه بحسب ما أعلن وزير الطاقة الروسي الكسندر نوفاك.
وتأتي كل هذا التطورات إضافة إلى تدشين روسيا والصين مشروع “قوة سيبيريا” في كانون الأول/ديسمبر الماضي، والذي سيسمح بنقل 38 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنوياً إلى شنغهاي، إضافة إلى عقد ضخم لإمدادات الغاز إلى الصين تقدر قيمته بأكثر من 400 مليار دولار مدته ثلاثين عاماً جرى توقيعه عام 2014، لتؤكد نجاح روسيا في تأكيد مكانتها على ساحة الطاقة في العام وتثبت أيضاً أن سياسة الرئيس بوتين المتعلقة بخطوط الانابيب “قادته إلى سلسلة من الانتصارات المثيرة للإعجاب في السياسة الخارجية. وأن مثل هذا النهج قد يعطيه هيبة ومكانة كافية للإستمرار في سلسلة الانتصارات الكثيرة التي نجح في تحقيقها” بحسب ما تقول الكاتبة الروسية نينا خروشيفا.