وفاة «خوسيه "بيبي" موخيكا»: رحيل رئيس أوروغواي الثائر في سن 89 عامًا - الإيطالية نيوز

إعلان فوق المشاركات

وفاة «خوسيه "بيبي" موخيكا»: رحيل رئيس أوروغواي الثائر في سن 89 عامًا

وفاة «خوسيه "بيبي" موخيكا»: رحيل رئيس أوروغواي الثائر في سن 89 عامًا

 الإيطالية نيوز، الأربعاء 14 مايو 2025 – توفي الرئيس الأوروغوياني الأسبق خوسيه «ألبرتو موخيكا كورادنو»، المعروف شعبيًا بإسم «بيبّي موخيكا»، عن عمر ناهز 89 عامًا، بعد مقاومة طويل لمرض السرطان الذي بدأ في المريء وامتدَّ إلى أعضاء أخرى من جسده. وكان «موخيكا» قد أوقف في يناير جميع العلاجات الطبِّية، قائلًا في مقابلة لصحيفة "بوسكيدا" الأوروغويانية: «أنا أحتضر، والمحارب يستحق أن يستريح».


يُعرف «موخيكا»، ليس فقط كرئيس، بل كرمز عالمي للنزاهة والبساطة والمثابرة. لكن في الآونة الأخيرة، كثرت محاولات تعمَّدت تجريده من طابعه السياسي، وتقديمه فقط كرجُلٍ مسنٍّ متواضع يعيش في مزرعة، متجاهلةً ماضيه النِّضالي، سنوات السِّجن والتَّعذيب، والتزامه الثَّابت بالنِّضال من أجل العدالة الاجتماعية.


كان «موخيكا» داعمًا قويًا للتجارب الاشتراكية في أمريكا اللَّاتينية، وعلى رأسها الثورة الكوبية وصديقه «فيدل كاسترو». لم يتنكَّر يومًا لانخراطه في حركة "التوباماروس"، وهي حركة يسارية ماركسية مسلَّحة نشطت في ستِّينيات وسبعينيات القرن الماضي ضدَّ دكتاتورية العسكر في أوروغواي. قضى 13 عامًا في السجن، بينها عامان في زنزانة معزولة تحت الأرض، حيث قال ذات مرَّة: «في أعماق الحبس، تكتشف أنَّ حتَّى النَّمل يصرخ».


"الحياة لها معنى عندما تختار لها قضية"

ولد «خوسيه موخيكا» في 20 مايو 1935، بعد فترة وجيزة من انقلاب قادته قوى اليمين المحافظ في بلاده. فقد والده في سنٍّ مبكِّرة، واضطرَّ لمساعدة والدته في العمل، مشيرًا لاحقًا إلى تلك المرحلة بوصفها «فترة فقر بكرامة». تأثَّر كثيرًا بعمِّه «أنخيل كورادنو»، القومي والبيروني، الذي فتح له آفاق القراءة والسياسة.


في بداية حياته السياسية، انضمَّ إلى "الحزب الوطني" عام 1956، لكنَّه انفصل عنه لاحقًا برفقة النائب «إنريكي إيرو»، من أجل "السير نحو الاشتراكية". كان من أوائل المنضمِّين إلى الجناح المسلَّح "التوباماروس"، مستلهماً روح الثورة الكوبية، وسرعان ما أصبح أحد أبرز رموزه.


وخلال تلك المرحلة، التقى ورفيقة دربه، «لوسيا توبولانسكي»، وهي مناضلة وعضوة مستقبلية في البرلمان، وشريكة حياته حتَّى أيّٰامه الأخيرة.


من الزنزانة إلى قصر الرئاسة

في عام 1985، ومع عودة الديمقراطية، أُفرج عن «موخيكا» ورفاقه، واندمجوا لاحقاً في العمل السياسي عبر "الجبهة الموسَّعة" التي ضمَّت معظم قوى اليسار في البلاد. في 2004، حقَّقت الجبهة فوزًا تاريخيًا شكَّلت على إثره أوَّل حكومة يسارية في تاريخ أوروغواي.


تولَّى «موخيكا» وزارة الزراعة، ثم انتُخب رئيسًا للجمهورية في 2010. خلال ولايته التي استمرَّت حتَّى 2015، قاد سلسلة من الإصلاحات الاجتماعية الطموحة: من بينها مشروع "خطَّة معاً" لإسكان أكثر من 15 ألف عائلة فقيرة، وتمكين الفئات المهمَّشة، وتوسيع فرص التعليم والعمل، بالأخص للنساء.


كما تبنّى سياسات عزَّزت من تنوُّع الاقتصاد، ورفعت من قيمة القطاع الزراعي، وجعلت من أوروغواي واحدة من أبرز مُصدِّري الأغذية في أمريكا اللَّاتينية.


إصلاحات ثورية: من تقنين القنب إلى المساواة في الزواج

في عام 2013، أصبحت أوروغواي أوَّل دولة في العالم تقنن إنتاج وبيع واستهلاك القَنَّب الهندي تحت إشراف الدَّولة، خطوة جريئة لاقت صدًى عالميًا. «لقد جربنا القمع لعقود، ولم ينجح. الآن نجرّب طريقًا جديدًا، وإذا نجح، فقد نكون قد ساهمنا في إنقاذ الإنسانية»، قالها «موخيكا» آنذاك.


وخلال فترة رئاسته، شهدت البلاد أيضاً تمرير قانون يسمح بزواج المثليين وتبني الأطفال، إلى جانب تقنين الإجهاض حتى الأسبوع الثاني عشر من الحمل – وهو من أوائل القوانين من نوعها في أمريكا اللاتينية.


رئيس بوجه الفقراء… وسيارة "فولكس فاغن"

اختار «موخيكا» العيش في مزرعة متواضعة في ضواحي "مونتيفيديو"، رافضًا امتيازات المنصب. ظلَّ يتنقَّل بسيارته "فولكس فاغن بيتل" طراز 1987، وتبرَّع بمعظم راتبه. في إحدى المقابلات، لخَّص فلسفته قائلاً: «لكي تكون حرًّا، عليك أن تملك وقتك. لكن إذا قضيت حياتك تبحث عن المال لشراء أشياء لا تحتاجها، فلن تملك حياتك أبداً».


انتقد النظام الرأسمالي بشدِّة، واعتبره المسؤول عن تحويل البشر إلى "مستهلكين قهريين"، تُسيِّرهم الإعلانات والخصومات و"الجمعة السوداء" (بلاك فرايداي).


إرث ثوري متعدِّد الأوجه

يترك «بيبي موخيكا» وراءه إرثًا سياسياً وأخلاقياً فريداً، يجمع بين النضال المسلَّح والإصلاح الاجتماعي، بين التقشُّف الفردي والعدالة الجماعية. لم تكن ثورته يومًا فردية، بل تجذَّرت في واقع شعبه ومآسيه.


قال ذات مرَّة: «الموت موجود ليجعلنا نحارب من أجل الحياة». بهذا المعنى، عاش بيبي موخيكا» ومات واقفًا، «كواحد من آخر الرموز الثورية في هذا العالم، كرئيس فقير قاد شعبه نحو الكرامة.


لقد كتب إسمه في صفحات التاريخ لا كسياسي فقط، بل كضمير إنساني حر، ظلَّ حتَّى الرَّمق الأخير مؤمنًا بأنَّ «عالمًا أخر ممكن».


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان اسفل المشاركات

كن على أتصال

أكثر من 600,000+ متابع على مواقع التواصل الإجتماعي كن على إطلاع دائم معهم

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

جرائم قتل النساء في إيطاليا