شهدت الساحة الإيطالية في الأشهر الأخيرة سجالًا حادًا حول الموقف الذي اتخذته حكومة «جورجا ميلوني» إزاء الحرب في غزة. وقد وجدت نفسي، شخصيًا، هدفًا لهجوم صحفي على صفحات "إل جورنالي"، المقرّب من دوائر السلطة. لكن ما يهم هنا ليس الهجوم الشخصي، بل السؤال السياسي والأخلاقي الأكبر الذي يشكل محور كتابي الأخير: هل تُعد «جورجا ميلوني» شريكة سياسيًا في جريمة الإبادة المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني؟
في كتاب "غزة–ميلوني. السياسة الخارجية لدولة تابعة"، أتناول بالتحليل الفترة الممتدة من 8 أكتوبر 2023 حتى 8 يونيو 2025، أي أول عشرين شهرًا من المأساة الفلسطينية المستمرة. خلال هذه المدة، اتخذت رئيسة الوزراء الإيطالية قرارات محورية تتعلق بعلاقات "روما" مع "تل أبيب"، يمكن اختصارها في اتجاه واحد: منع أي تدخل خارجي من شأنه كبح آلة الحرب الإسرائيلية.
يتضح من الوثائق التي جمعتها – المكتوبة والشفوية – أن السياسة الخارجية ل«ميلوني» اتجاه غزة ارتكزت على ضمان إفلات حكومة «نتنياهو» من أي مساءلة دولية. فبدل الدفع نحو عقوبات أوروبية رادعة، عملت «ميلوني» بلا كلل لتخفيفها أو تعطيلها. وإلى جانب الموقف الدبلوماسي، هناك شواهد على استمرار التعاون العسكري عبر عقود بيع وشراء السلاح، ما يعمّق مسؤولية إيطاليا السياسية والأخلاقية في استمرار المذبحة.
أما بشأن الهجمات الشخصية التي أتعرض لها، فهذه ليست سوى محاولة لصرف الانتباه عن جوهر النقاش. القضية ليست بين «أورسيني» و«ميلوني»، بل بين مسؤولية إيطاليا التاريخية وصمتها المطبق إزاء إبادة جماعية تجري أمام أعين العالم. إن أي حكومة تتبنى خيار دعم المعتدي، أو غض الطرف عن جرائمه، تتحمل تبعات سياسية وأخلاقية عميقة.
من هذا المنطلق، اخترت أن أقدّم كتابي مجانًا في الفضاءات الثقافية المفتوحة للجمهور، مثل مسرح "الأفراتيلامنتو" في "فيرينسي" يوم 10 أكتوبر، وأن أستخدم قناتي على يوتيوب – من دون إعلانات – كأداة لخلق نقاش عام يتجاوز هيمنة الإعلام التقليدي. فالثقافة، في جوهرها، هي الوسيلة الوحيدة لتحرير الإنسان من أشكال القمع والتضليل كافة.
قد يختلف كثيرون حول التوصيفات أو اللهجة، لكن الحقيقة الصارخة تبقى أن السياسة الخارجية لحكومة ميلوني لم تضع يومًا حياة المدنيين الفلسطينيين ضمن أولوياتها. على العكس، سعت إلى تأمين حصانة لنتنياهو، حتى يتمكن من مواصلة حربه بلا قيود. هنا يكمن جوهر النقد: ليس في الشعارات، بل في الوثائق والقرارات التي ترسم مسار دولة اختارت التبعية على حساب القيم الإنسانية.
"غزة–ميلوني: السياسة الخارجية لدولة تابعة"ملخص الفكرة الأساسية للكتاب
في كتابه "غزة–ميلوني: السياسة الخارجية لدولة تابعة"، يقدّم «أليساندرو أورسيني» أطروحة مركزية مفادها أن إيطاليا لم تعد تمتلك استقلالًا حقيقيًا في قراراتها الدولية، بل غدت دولة تابعة للولايات المتحدة. ويؤكد أن هذه التبعية برزت بشكل أوضح في عهد حكومة «جورجا ميلوني»، خاصة في إدارتها للسياسة الخارجية تجاه الحرب في غزة.
التهم الموجهة إلى ميلوني
يصف «أورسيني» رئيسة الوزراء بأنها "مجرمة سياسية"، متهمًا إياها بدعم رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» فيما يسميه "الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني". ويرى أن هذا الدعم لم يكن عارضًا، بل تجسّد عبر أربعة مستويات من التواطؤ:
-
عسكريًا: من خلال صفقات بيع السلاح لإسرائيل.
-
سياسيًا: عبر تبني مواقف مؤيدة لسياسات تل أبيب.
-
دبلوماسيًا: من خلال السعي إلى تعطيل أو إضعاف أي عقوبات أوروبية على إسرائيل.
-
إعلاميًا: عبر توجيه الخطاب العام والتحكم في المعلومات من خلال أجهزة الإعلام الرسمية.
مركز القرار في واشنطن
يشدد «أورسيني» على أن القرارات المفصلية في السياسة الخارجية الإيطالية لا تُتخذ في قصر شيغي (مقر رئاسة الحكومة الإيطالية)، بل في البيت الأبيض، ما يعكس حدود السيادة الإيطالية في القضايا الدولية.
إطار نظري وتحليل اجتماعي
يعتمد المؤلف على أدوات علم الاجتماع السياسي لتحليل العلاقات الدولية، محاولًا تقديم تفسير جديد للحروب المعاصرة، وتفكيك الصور الذهنية السائدة لدى الأوروبيين حول السياسة العالمية.
خلفية المؤلف
«أورسيني» أستاذ علم اجتماع الإرهاب في جامعة "LUISS" بروما، وزميل باحث سابق في معهد MIT، وله خبرة طويلة في تقديم الاستشارات لمؤسسات حكومية إيطالية في مجال الأمن الدولي. كتابه هذا يأتي امتدادًا لانتقاداته السابقة للسياسة الخارجية الإيطالية، سواء في ملف أوكرانيا أو غزة، ويقدّم من خلاله رؤية نقدية معمّقة للعلاقات الإيطالية–الأمريكية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق