الإيطالية نيوز، الثلاثاء 30 ديسمبر 2025 – في عام 2025، لم يكتفِ ما أَصِفُهُ بـ«الدولة الإرهابية» إسرائيل بمواصلة ارتكاب إبادة جماعية على بُعد كيلومترات قليلة من سواحلنا، بل واصل أيضًا شنَّ هجمات على دول ذات سيادة. ولهذا السَّبب أعتبرُ إسرائيل الدولة الأكثر خطورةً على كوكب الأرض.
فهل يمكن، برأيكم، لدولة تزعم أنَّها «تدافع عن نفسها» أن تشنَّ، في العام نفسه، هجمات متزامنة على فلسطين ولبنان وسوريا وإيران واليمن وقطر، بل وأن تصل إلى استهداف مياه تونسية ويونانية ومالطية؟
ووفقًا لبيانات «مشروع رصد مواقع وأحداث النزاعات المسلحة» (ACLED)، وهو مرصد مستقل يتابع النزاعات حول العالم، وحتَى 5 ديسمبر 2025، نَفَّذت إسرائيل آلاف الهجمات: أكثر من 8 آلاف هجوم على فلسطين وحدها، وأكثر من 1,600 هجوم على لبنان، ومئات الهجمات على إيران وسوريا، وعشرات الهجمات على اليمن، وصولًا إلى استهداف قطر ومياه دولية.
والتنبيه هنا ضروري: هذه الأرقام أقل من الواقع، لأنَّها لا تشمل سوى الهجمات التي جرى توثيقها فعليًا. في فلسطين وحدها، نتحدَّثُ عن معدَّل يقارب 25 هجومًا يوميًا خلال عام 2025.
الحقيقةُ أنَّ عدد الفلسطينيين الذين أُزهقت أرواحهم في «قطاع غزة» يفوق بكثير 70 ألفًا. وسيتَّضح ذلك في الأشهر المقبلة، مع استمرار انتشال الجثث من تحت الأنقاض، كما يحدث بالفعل.
وأُشير كذلك إلى أنَّ إسرائيل اعترفت، في هذه الساعات تحديدًا، بـإقليم أرض الصومال (صوماليلاند)، لتصبح الدولة الوحيدة في العالم التي تقوم بذلك. وهناك من يرى أن رئيس الوزراء «بنيامين نتنياهو» — كما كانت قد رجَّحت وسائل إعلام إسرائيلية قبل أشهر — أقدم على هذه الخطوة لأنَّه يخطط لترحيل أكثر من مليون فلسطيني إلى هناك.
وفي خضمّ ذلك كله، وبينما يحاول النظام الإعلامي تشويه سُمعة كل من يواصل دعم القضية الفلسطينية (وأُكرِّرُ هنا: لا أبالي بحملات التشويه الإعلامية، وسأواصلُ السَّير في طريقي)، تتعرَّض الخيام التي يأوي إليها الفلسطينيون للتدمير بفعل الأحوال الجوية القاسية.
وإسرائيل تمنع دخول المساعدات الإنسانية تحديدًا لهذا السَّبب: لأنَّها تعلم أنَّ الفلسطينيين مهدَّدون بالموت جوعًا وبردًا.
ولهذا السَّبب أتحدَّثُ اليوم عن إبادة جماعية منخفضة الكثافة. فعمليات القتل المباشر تراجعت، لكن جرى في المقابل خلق ظروف تجعل الفلسطينيين إمَّا يفرُّون من أرضهم، أو يموتون ببطء، في صمت العالم.
ليس المستشفيات وحدها… بل الخيام والإسعاف والمدارس ودور العبادة
لم تكن المستشفيات وحدها هدفًا. ولا الخيام فقط. ولا سيارات الإسعاف. ولا المدارس. ولا المساجد. لقد جرى الاستهداف في كل مكان. وقُتِل الناس في كل مكان. حتّى الكنائس لم تَسْلَم.
أَستحضرُ كثيرًا كلمات «مالكوم إكس» حين قال: “التاريخُ هو ذاكرةُ الشعوب، ومن دون ذاكرة يُختزَل الإنسان في مرتبة كائن أدنى.”
لذا لا تنسوا! لأنَّ القصف الإعلامي، وتسارع وتيرة الحياة، ومشاكلنا اليومية، إلى جانب استراتيجية «تشتيت الجماهير» المجرَّبة، كلُّها عوامل تجعلنا ننسى ما ينبغي ألّا يُنسَى. والتَذَكُّر ليس تَرَفًا، بل شرطٌ للحُرِّية، وللاستقلال في التفكير، وللتحرُّر الذهني. ولهذا أُذَكِّركُم بأنَّ إبادة جماعية تحدث على بُعد مئات الكيلومترات منا. قد تكون اليوم إبادة «منخفضة الكثافة»، لكنَّها تظل إبادة بكل المقاييس.
في «قطاع غزة»، لا يكتفي الإسرائيليون بالقتل عبر الطائرات المُسيَّرة، بل يُدمِّرون كل شيء بالديناميت: يدمِّرون ما تبقى من الأراضي الزراعية، ويقتلعون الأشجار، ويُحوِّلون الأرض إلى مكان غير صالح للحياة.
الهدف واضح: جعل الإقليم غير قابل للعيش، لدفع من تبقى من الناجين إلى الرحيل، ثُمَّ احتلاله نهائيًا. وأَقولُها للمسيحيين، نعم للمسيحيين، كاثوليك وأرثوذكس: حتّى الكنائس لم تُستثنَ. ننسى ذلك، لكن إسرائيل قصفت الكنائس عمدًا.
كنيسة «القِدِّيس برفيريوس» الأرثوذكسية في «قطاع غزة» — أَقْدَم كنيسة في القطاع، والمكرَّسة للقديس «برفيريوس» الغزي، الذي يجلّه الكاثوليك والأرثوذكس على حدٍّ سواء — تعرَّضت للقصف ليل 19–20 أكتوبر 2023، أي في الأيام الأولى من الإبادة. في أحد مباني الكنيسة كان قد لجأ نحو 500 مدني، مسلمين ومسيحيين، رجالًا ونساءً وأطفالًا. فالدم، في النهاية، أحمر واحد، بغضِّ النظر عن الدِّين. في ذلك اليوم قُتل 18 شخصًا، بينهم أربعة أطفال. وهذا ما كتبته صحيفة «الغارديان» آنذاك: “ذكّر الهجوم الجوي بما كان يعرفه جميع سكان مدينة غزة بالفعل: لا يوجد ملجأ آمن من القنابل الإسرائيلية التي تُمطر المدينة بلا توقُّف. مئات من المسيحيين والمسلمين لجأوا إلى كنيسة القديس برفيريوس مساء الخميس، عندما دمَّر صاروخ جزءًا من المجمع، ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 16 شخصًا. يوم الجمعة، وُضعت جثامينهم في جنازة جماعية داخل فناء الكنيسة، ملفوفة بملاءات بيضاء إلى جانب الأنقاض التي قتلتهم. أربعة منهم كانوا أطفالًا صغارًا. عشرات الرجال واصلوا تفتيش المبنى المنهار حتى وقت متأخر من الليل بحثًا عن ناجين وجثث لانتشالها في اليوم التالي. وقال أحد المسعفين لوكالة رويترز إن من كانوا في الطابق السفلي ماتوا سحقًا.”
وفي غزة أيضًا كنيسة كاثوليكية تُعرف باسم «كنيسة العائلة المقدسة»، يرتادها مجتمع كاثوليكي صغير يضم نحو 300 مؤمن. وكان البابا «فرانشيسكو» يتصل يوميًا بالمصلّين للاطمئنان عليهم وبثّ شيء من الأمل. حتَّى هذه الكنيسة لم تًسْلَم. وقد زعمت إسرائيل — كعادتها — أنَّ القصف كان «خطأً». لكنَّها، إلى جانب كونها قاتلة، تكذب.
في 17 يوليو الماضي تعرَّضت كنيسة «العائلة المقدسة» للقصف، ما أدَّى إلى مقتل اثنين من المصلّين. وعندها فقط، وجدت تلك «المرأة، الأم، والمسيحية» — التي صمتت أمام المجازر والمستشفيات والمساجد المدمَّرة — كلماتها أخيرًا، لأنَّ الهدف كان كنيسة كاثوليكية.
قالت: “الغارات الإسرائيلية على غزة طالت أيضًا «كنيسة العائلة المقدسة». إنَّ الهجمات على السكان المدنيين التي تواصل إسرائيل تنفيذها منذ أشهر غير مقبولة. لا يمكن لأي عمل عسكري أن يبرِّر مثل هذا السلوك.”
لقد ضربوا مكان عبادة كاثوليكيًا، فشَعرَتْ أخيرًا بواجب الكلام. الحقيقة هي أن الجميع أهداف في نظر القومية الصهيونية. كل من لا يدعم هذا المشروع هو عدو: المسلمون، والأرثوذكس، والكاثوليك، والصحافيون الذين يكشفون الرُّعب. ولا تنسوا أن العدو الأول لإسرائيل ليس الإرهاب، بل الحقيقة. وإلَّا، كيف يمكن تفسير اغتيال نحو 300 صحافي فلسطيني؟
أعياد سعيدة للجميع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق