القرار جاء استجابةً لدعوى رفعتها صحفية "نيويورك تايمز" «ماتينا ستيفيس-غريدنيف»، طالبت فيها بالحصول على نصوص الرَّسائل المتبادَلة بين الطرفين خلال الفترة الممتدة من 1 يناير 2021 وحتَّى 11 مايو 2022، في سياق تحقيق صحفي حول الشفافية في صفقة شراء اللِّقاحات بين الاتحاد الأوروبي و"فايزر"، التي بلغت قيمتها الإجمالية نحو 35 مليار يورو مقابل 1،8 مليار جرعة حتَّى عام 2023.
مفوِّضية بروكسل مطالَبة بتفسير ما حدث للرَّسائل
الرَّسائل، التي وُصفت بأنَّها كانت "في صلب المفاوضات" التي قادت إلى أكبر اتِّفاق لقاح في تاريخ الاتحاد الأوروبي، لم يُكشف عن مضمونها حتَّى اليوم. ورفضت المفوِّضية سابقًا طلب الكشف عنها مع حُجَّة عدم امتلاكها للوثائق المعنية.
لكن المحكمة اعتبرت أنَّ هذه المبرِّرات غير كافية، مؤكِّدة على أنَّ المفوِّضية "لم تقدِّم تفسيرات مُقْنِعة لسبب عدم الاحتفاظ بتلك الرَّسائل"، ولم توضِّح ما إذا كانت قد حُذفت عمدًا أو تلقائيًا، أو ما إذا كانت الأجهزة المستخدَمة قد جرى استبدالها لاحقًا.
الاتِّهامات بالضبابية تطال رئيسة المفوضية مجددًا
قرار المحكمة يوجه ضربة قانونية وسياسية للمفوضية، ويزيد من الانتقادات الموجَّهة إلى أسلوب عمل «فون دير لاين»، التي تواجه اتِّهامات متكرِّرة بانتهاج نهج غامض ومتفرِّد في معالجة الملفَّات الاستراتيجية داخل الاتحاد، من السياسة الصناعية إلى الدِّفاع.
وكانت «فون دير لاين» قد واجهت في السابق فضيحة مماثلة خلال تولِّيها وزارة الدِّفاع الألمانية، على خلفية عقود استشارية بمبالغ ضخمة أُبرِمت من دون مناقصات شفَّافة. والآن، تُثار التساؤلات مجدَّدًا بشأن أسلوبها في إدارة مفاوضات بمليارات اليوروهات من المال العام الأوروبي.
المحكمة: الرسائل الرسمية لا تُحدَّد بنوع الوسيلة
في حيثيات الحُكم، شدَّدت المحكمة على أنَّ الرَّسائل النَّصِّية "تُعتبر وثائقًا رسميةً إذا كانت تتضمَّن معلومات ذات صلة بعملية صنع القرار العام"، بغض النَّظر عن وسيلة إرسالها، وهو ما يدحض الحجَّة الرئيسية التي استندت إليها المفوِّضية في رفضها.
ووصفت المحكمة موقف المفوِّضية بأنه "متناقض وغير مُقنِع"، وأكَّدت على أنَّ مجرَّد القول بعدم وجود الرَّسائل لا يعفي المؤسسة من مسؤولية تقديم تفسير دقيق وشفَّاف للرأي العام وللقضاء.
قضية "فايزرغيت": أزمة شفافية تهز مؤسسات الاتحاد
القضية المعروفة إعلاميًا بـ"فايزرغيت" تعيد إلى الواجهة النِّقاش حول الشفافية داخل مؤسَّسات الاتحاد الأوروبي، والعلاقة المعقَّدة بين السلطة التقديرية للمسؤولين والسيادة الديمقراطية. وتكمن الخطورة في أنَّ هذه المفاوضات لم تكن حول شؤون داخلية فحسب، بل تتعلَّق بصحَّة مئات الملايين من المواطنين وبطريقة إنفاق أموالهم العامة.
وفي رَدِّها الأوَّلي، أكَّدت المفوِّضية على أنَّها "ستُخضع قرار المحكمة لدراسة دقيقة وستتَّخذ قرارًا جديدًا يتضمَّن شرحًا أكثر تفصيلًا".
من يراقب صانعي القرار في أوروبا؟
القرار يُعتبر تذكيرًا صارمًا للمؤسَّسات الأوروبية بضرورة احترام الحق العام في المعرفة، ويطرح تساؤلات حيوية: من يراقب صانعي القرار حين تُدار قضايا حساسة خلف الأبواب المغلقة؟ وما هي الآليات الفعلية لمحاسبة كبار المسؤولين في الاتحاد عندما تغيب الشفافية؟
في وقت تتَّجه فيه أوروبا نحو مرحلة سياسية مفصلية، تبقى هذه القضايا محورًا أساسيًا في إعادة بناء ثقة المواطن الأوروبي بمؤسَّساته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق