وبحسب «ألبانيزي»، فإنَّ الحملة العسكرية الإسرائيلية الجارية لا تعتمد فقط على اعتبارات استراتيجية، بل تتغذَّى أيضًا على شبكة صناعية ومالية تجعل العدوان "قابلًا للاستمرار اقتصاديًا". وتشمل الشركات المتورِّطة قطاعات الدِّفاع والتكنولوجيا والمراقبة والبنى التحتية، بالإضافة إلى الصناعات الثقيلة وصناعة السيارات.
وبين الأسماء البارزة في قائمة الشركات المتهمة: Elbit Systems و Israel Aerospace Industries و Rafael وLockheed Martin وBoeing وGeneral Dynamics وLeonardo وAirbus، وهي شركات مصنِّعة لأسلحة استُخدِمت في الغارات الجوية والعمليات البرية على قطاع غزة.
شركات تكنولوجيا عملاقة في قلب الاتِّهامات
يشير التقرير إلى دور شركات التكنولوجيا مثل Palantir Technologies التي تزوِّد السُّلطات الإسرائيلية ببرمجيات مراقبة، إلى جانب Google و Amazon المتورِّطتين في مشروع "نيمبوس" للحوسبة السحابية لصالح الحكومة الإسرائيلية. كما ذُكِرت IBM و HP و Microsoft ضمن الشركات التي تساهم في البنية التحتية الرَّقمية الإسرائيلية، بما في ذلك أنظمة التعرُّف على الوجوه وأنظمة المراقبة عند الحواجز العسكرية وداخل الأراضي المحتلَّة.
ويُضيف التَّقرير: "مايكروسوفت تعمل في إسرائيل منذ عام 1991، وتدير أكبر مركز لها خارج الولايات المتحدة. وقد جرى دمج تقنياتها في النظام الأمني والسُّجون والجامعات والمدارس والمستوطنات. ومنذ عام 2003، باتت تقنياتها جزءًا من المنظومة العسكرية الإسرائيلية، إلى جانب استحواذها على شركات ناشئة في مجال الأمن السيبراني والمراقبة".
وفي يناير 2024، أعلنت Palantir عن شراكة استراتيجية جديدة مع إسرائيل. وفي أبريل 2025، ردَّ الرئيس التنفيذي للشركة على اتِّهامات بتورُّط تقنياتهم في قتل فلسطينيين بالقول: "أغلبهم إرهابيون، وهذا صحيح".
وتوضِّح «ألبانيزي» أن تزايد كميات البيانات الناتجة عن أنظمة المراقبة والفصل العنصري الإسرائيلية أدَّى إلى اعتماد متزايد على التخزين السحابي. وذكرت أن إسرائيل منحت في عام 2021 عقدًا بقيمة 1.2 مليار دولار لشركتي Google وAmazon ضمن "مشروع نيمبوس"، بتمويل كبير من وزارة الدفاع الإسرائيلية. وفي يوليو 2024، وصف ضابط إسرائيلي رفيع هذه التكنولوجيا بأنها "سلاح بكل ما تحمله الكلمة من معنى".
معدَّات ثقيلة تُستخدَم لأغراض عسكرية
يشير التقرير إلى أنَّ شركات مثل Caterpillar و Volvo وHyundai Heavy Industries و RADA تواجه اتِّهامات بتوفير معدَّات تُستخدَم في التوسُّع الاستيطاني وعمليات الهدم. ويقول التقرير: "تُستخدم الجرَّافات والمعدَّات الثقيلة من Caterpillar و Hyundai و Volvo منذ أكثر من عشر سنوات في بناء المستوطنات غير القانونية. ومنذ أكتوبر 2023، جرى توثيق استخدام معدَّات Caterpillar في عمليات هدم جماعي، شملت منازل ومساجد وبنية تحتية حيوية، بل وحتَّى مستشفيات".
ويضيف أن هذه المعدَّات، التي تُستخدَم عادة في البناء، جرى تعديلها لأغراض عسكرية، وتُستخدم أيضًا في عمليات برية داخل غزة لهدم المدارس والمرافق المدنية، مما يجعل استخدامها ذا طابع عسكري واضح.
ويتابع التقرير: "رغم توفُّر أدلَّة واضحة على الاستخدام الإجرامي لتلك المعدات من قِبل إسرائيل، ورغم النداءات المتكرِّرة من منظمات حقوقية دولية لوقف التعاون، إلَّا أنَّ هذه الشركات واصلت توريد معدَّاتها للسُّوق الإسرائيلي".
زراعة الاستيطان: عندما تخدم التكنولوجيا الاحتلال
ومن الشركات التي ذكرها التقرير أيضًا Netafim، الرائدة عالميًا في تكنولوجيا الري بالتنقيط، والمملوكة بنسبة %80 من قبل مجموعة Orbia Advance Corporation المكسيكية. وبحسب التقرير، صُمِّمت تقنيات Netafim الزراعية بما يتماشى مع استراتيجيات التوسُّع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية، ما مَكَّن الاحتلال من استغلال الأراضي والموارد المائية بشكل مكثَّف، مع الحفاظ على صورة "الاستدامة البيئية" عالميًا.
"الرِّبح من الإبادة": دعوة للمساءلة
تختتم «ألبانيزي» تقريرها بتأكيد واضح: "حينما تواصل الشركات أنشطتها وشراكاتها مع إسرائيل – على مستوى الاقتصاد والجيش والقطاعات المرتبطة بالأراضي الفلسطينية المحتلَّة – فإنَّها تساهم بوعي في ما يلي:
-
انتهاك حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره؛
-
ضم الأراضي الفلسطينية واستمرار الاحتلال غير القانوني، ما يشكل عدوانًا وجرائم ضد حقوق الإنسان؛
-
جرائم الفصل العنصري والإبادة الجماعية؛
-
جرائم وانتهاكات أخرى ذات صلة".
ورفضت إسرائيل التقرير واعتبرته "منحازًا وغير دقيق ومليئًا بالأكاذيب". كما امتنعت معظم الشركات المعنية عن التعليق أو نفت مسؤوليتها. وبحسب وكالة رويترز، لم تُصدر سوى قلَّة من الشركات تصريحات علنية ردًّا على التقرير.
ورغم أن التقرير لا يحمل صفة قانونية ملزمة، فإنه يُعد نداءً قويًا لتوسيع مفهوم المساءلة ليشمل الكيانات التجارية، بنفس الجدية التي يُحاسَب بها الفاعلون الحكوميون. وكما ختمت ألبانيزي: "الإبادة ليست فقط جريمة، إنها أيضًا تجارة، ويجب محاربتها على الجبهتين".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق