«أليسَّاندرو أورْسيني»: أزمة الردع النووي و"وهم الحماية".. قراءة في إعلان نورثوود - الإيطالية نيوز

إعلان فوق المشاركات

«أليسَّاندرو أورْسيني»: أزمة الردع النووي و"وهم الحماية".. قراءة في إعلان نورثوود

«أليسَّاندرو أورْسيني»: أزمة الردع النووي و"وهم الحماية".. قراءة في إعلان نورثوود

 بقلم: أليساندرو أورسيني

وقَّع كلٌّ من رئيس الوزراء البريطاني «كير ستارمر» والرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» "إعلان نورثوود"، في خطوة فُهمت على نطاق واسع بوصفها رسالة ردع موجّهة إلى موسكو، في ظل تصاعد المخاوف من انزلاق النزاع الروسي-الأوكراني إلى مستوى الحرب النووية. ولكن ما الذي يعنيه هذا الإعلان في الواقع؟ وهل يُشكِّل بالفعل ضمانة استراتيجية، أو أنَّه مجرَّد خدعة نفسية تهدف إلى تهدئة الرأي العام في الغرب؟


في جوهره، "إعلان نورثوود" ليس أكثر من محاولة لإنشاء حاجز نفسي وهمي أمام احتمالية استخدام روسيا للسلاح النووي في حال تدهور الوضع بشكل دراماتيكي في أوكرانيا. «ستارمر» و «ماكرون» يعلمان تمامًا أنَّ ترسانة بلديهما النووية، التي لا تتعدَّى بضع مئات من الرؤوس، لا يمكنها الصمود أمام آلاف الرؤوس النووية الروسية. وبالتالي، فإنَّ الرَّدع المتبادل المتكافئ الذي يقوم عليه ميزان الرُّعب الكلاسيكي، لا يبدو هنا متحقِّقًا بصورة فعلية.


ما نشهده إذن، ليس تصعيدًا حقيقيًا على مستوى القدرات، بل تصعيدًا في مستوى الخطاب الذي يُستخدم لتخدير المخاوف الشعبية عبر تسويق وهم الحماية. إنَّه "خداع استراتيجي" موجه لعقل المواطن الغربي، الذي بات عُرْضَةً للتضليل بفعل إعلام لا ينقل الوقائع بقدر ما يعيد إنتاج خطاب السُّلطة.


من هنا، لا يمكن فصل هذا الإعلان عن السِّياق الأوسع للأزمة الجيوسياسية بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، حيث تتصاعد التوتُّرات يومًا بعد يوم. وقد أظهرت الحكومة الإيطالية، ممثَّلةً في رئيسة الوزراء «جورجا ميلوني» ووزير الدفاع «غُويدو كْروزيتّو»، انخراطًا كاملًا في هذا المسار التصعيدي الذي يتبنَّاه النَّاتو، ما يجعل من إيطاليا لاعبًا في لعبة خطرة قد تكون لها عواقب كارثية على الأمن الأوروبي.


لكن الأخطر من كل ذلك هو دور الإعلام الإيطالي، الذي بات، في أغلبه، أداة بيد دوائر القرار في الغرب، يدور في فلك البيت الأبيض أكثر مما يدور في فلك الحقيقة. فبدلاً من أن يمارس وظيفته الأساسية في مساءلة السلطة وتنوير الرأي العام، أصبح الإعلام أداة لإدامة الاصطفاف الأعمى خلف السياسات الأطلسية، حتّى عندما تكون هذه السياسات تُهدِّد أوروبا بالوقوف على حافَّة هاوية لا قاع لها.


لقد تناولتُ في كتابي الأخير هذا الانحراف العميق في النِّظام الإعلامي الإيطالي، مبيِّنَا كيف أن "الفساد الإعلامي" لا يُقاس فقط بالأموال أو الامتيازات، بل بالسكوت عن الحقيقة وتزييف الوعي الجَماعي. إن هذا التواطؤ البنيوي بين الإعلام والسياسة الخارجية يضع أوروبا، وشعوبها، في خطر وجودي، ربَّما أكثر خطورة من الحرب ذاتها.


في النهاية، ما تُقدِّمه وثائق مثل "إعلان نورثوود" ليس دِرعًا حقيقيًا، بل مجرَّد مظلَّة ورقية في عاصفة نووية محتملة. وما تحتاجه أوروبا اليوم ليس المزيد من البيانات الاستعراضية، بل مراجعة شجاعة للعلاقة مع الولايات المتحدة، ونقاشًا مفتوحًا حول التبعية الأمنية التي تُقيِّد إرادتها السياسية وتجعلها عُرضةً للانجراف في صراعات لا تملك أدوات حسمها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان اسفل المشاركات

كن على أتصال

أكثر من 600,000+ متابع على مواقع التواصل الإجتماعي كن على إطلاع دائم معهم

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

جرائم قتل النساء في إيطاليا