مصر، الصمت المطبق بعد مجازر الدولة: مجزرة الـ14 أغسطس 2013 + فيديو - الإيطالية نيوز

الجمعة، 17 أغسطس 2018

مصر، الصمت المطبق بعد مجازر الدولة: مجزرة الـ14 أغسطس 2013 + فيديو


الإيطالية نيوزـ بالتأكيد في صبرا وشاتيلا كان الأسوأ. ولم يكن أي شيء أخر أبشع من ذلك إلا من حيث العدد، أكثر من 3 آلاف ضحية معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن بسبب الدبح والعنف الممارس على تلك الأجساد الفلسطينية التي كان يكرهها الفلنجيون في لبنان كإثنية، ولكن مجزرة الـ14 أغسطس 2013 أمام مسجد رابعة العدوية بالقاهرة، تمثل ثقبا أسودا أخرا لجميع الأحاسيس البشرية، ليس فقط بسبب  ما حدث في ظرف 24 ساعة من العنف بطريقة عمياء لا توجد في قلوب منفذيها ذرة رحمة، ولكن بسبب الصمت القاتم الذي عقب المجزرة الجماعية، التي تعد الأولى من حيث الفظاعة في شمال إفريقيا والخليج العربي، والثانية بعد المجازر التي كان ضحيتها شعب الروهينجا  المسلم في ميانمار على يد البوديين.

ولكن إذا كان شعب الروهينجا المسلم ضحية اعتقاده دين الإسلام عرّضه للحرق والتمثيل والقتل بأبشع الصور والطرق على يد نظام وجماعات تخالفهم فيه، فإن ضحايا الـ14 أغسطس بمصر لقوا حتفهم على يد رجل يعتقد نفس دينهم ويتقاسم معهم اللغة والجنسية والمولد والمنشأ، ولا أحد يجرؤ على المطالبة بفتح تحقيق نزيه حول ظروف المجزرة ومحاسبة منفذيها، ولا أحد يجرؤ على كسر الصمت الذي يبسط جبروته بتغدية من نظام الرعب، الذي يوجد على رأسه وزير الداخلية السابق والرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.

إن المجزرة التي لحقت بآلاف المدنيين المصريين المتمسكين بشرعية محمد مرسي، هي مجزرة دولة،  ومجزرة أبدع فيها الجيش وتلدد بقسوته على أبنائه، جيش  دعم إنقلاب أبيض خطط له السيسي بمكر وغدر ونقض لليمين، وأيده سياسيون عن حزب مبارك، وحزب الأحرار، وحزب ناصريين، لأنهم كانوا يعارضون رئاسة رجل من الإخوان المسلمين، محمد مرسي، الرجل المنتخب ديمقراطيا سنة من قبل. 
 بعد بضعة أشهر من المناقشات بشأن إصلاحين أساسيين: واحد اقتصاديا والأخر دستوري، يتعلق بتجديد الدستور المصادق عليه سنة 1973، ما دفع نواب وأحزاب إلى معارضة بعضهم البعض. يلي ذلك المقاطعة المفتوحة للجمعية التأسيسية من قبل الكتلة الوطنية، التي كانت تردد الإبقاء على النظام القديم، الذي أصبح الشرارة الأولى التي أشعلت غضب الناس و ودفعهم للاعتصام في ميدان التحرير. من هناك، في أواخر فصل الربيع لسنة 2013، بدأت المظاهرات في الساحات المعارضة للمعارضين والداعمة لرئاسة مرسي.
وقد تم التلويح بعريضة شعبية طالبة باستقالة الرئيس، وفقا للمروجين الذين ادعوا أنهم جمعوا تواقيع مليون شخص، ثم ثلاثة، ثم عشرة، حتى ثلاثين مليون من المنخرطين. وكان ذلك الإدعاء ذريعة كافية لتنفيد انقلاب أبيض. وفي الفترة بين الـ2 والـ3 يوليو قامت القوات المسلحة الحالية باعتقال الرئيس الشرعي بناء على طلب من وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي. هذا الإجراء أدى إلى غليان في الساحات من قبل داعمي الشرعية. وأشاد السلفيون في حزب النور، الأعداء الأنداد للإخوان، بهذه المبادرة، بينما نظمت حركة الإخوان المسلمين احتجاجات عديدة لم تسمن ولم تغن عن جوع في ظل الصمت الدولي والمؤامرات التي حيكت في سرعة فائقة من قبل رؤساء وملوك المنطقة لإجهاض ثورة الشعب المصري حتى لا تتسبب في إيقاظ الشعوب الأخرى من سباتها وتزعج حاكموها وتطيح بهم من على كراسي الحكم المصبوغة بدماء آلاف الأبرياء المسلمين. في إثنين من الساحات (رابعة والنهضة) تمركزت الاعتصامات، وبالفعل فقط منذ الأسبوع الأول اكتظت بعشرات الآلاف من المواطنين، الذين نصبوا الخيام وناموا فيها، وأكلوا وصلوا وأبدعوا في ساحات الاعتصام في "سلم" ، في كل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.

كان تَحرّكهم لمعارضة ما كانوا يعتبرونه فرية ضد شخصية دستورية تحظى باحترام كبير، شخصية جرى الاستغناء عن سلطته الشرعية بطريقة قذرة أخلاقيا، بطريقة تضع التقدم القومي المصري وإمكانية رقي شعب على طاولة الإعدام. العساكر هددوا بإخلاء أماكن الاعتصامات العملاقة، إذ حاولوا في مناسبتين إبعاد المعتصمين قسرا، في أحداث تلتها مواجهات ومشاجرات، أدت في الاخير إلى التخلي عن تلك المحاولتين.

ولكن، على الرغم من انسحاب القوات المتدخلة لفض المعتصمين ظل الحريق يلتهم الخيام وبعض المعتصمين. بعد اليوم الأربعين من الاحتجاج، الذي لم تعقبه توضيحات إزاء اعتقال الرئيس الشرعي مرسي طغى صمت غير واقعي بين خيام المعتصمين، بالأخص، بعد تمدد الاعتقالات لتشمل بديع، خضر وطلعت. 

كان المعتصمون يختبرون العالم المنافق الداعي للديمقراطية، العالم الذي أغمض عينيه وأخرس أبواقه الإعلامية بتدخل من السعودية والإمارات والأردن، كما جاء على لسان السيسي نفسه وموثق في شريط فيديو، لتحل العزلة الداخلية والدولية، عزلة أباحت معاقبة المعتصمين بأبشع الطرق، والتخلص منهم حرقا بالنار كما لو يكونوا من أهل جهنم. وعلى الرغم من كل هذا التعتيم، تمكن تلفزيون الجزيرة القطري من نقل بعض المشاهد المسربة وحذر العالم العربي والدولي من التطورات الخطيرة التي تشهدها ساحة رابعة العدوية والنهضة، من تقتيل على طريقة الأفلام، أبطالها مصريون وضحياها كذلك مصريون.

العساكر المصريون الجدد، الذين حلوا محل الحرس القديم للحربائي الطنطاوي، تصرفوا بسلطة مفرطة وتكبر لا نظير له، إذ كانوا سابقا وضعوا الطريق القمعي الذي يسلكونه للقضاء على المعتصمين، وهو الطريق التي تنهجه الدول الدكتاتورية القمعية، طريق "مكافحة الإرهاب".

وقبل منتصف الليل ـ حسب رواية ناجون من مجزرة رابعة ـ فوجئ المعتصمون بصوت الشاحنات والحفارات. يرون "كاتيربيلر" تتقدم نحوهم وتدهسهم من دون أن تتوقف، في مشهد يعيد إلى الأدهان صورة الناشطة المؤيدة للقضية الفلسطينية "راشيل كوريي"(Rachel Corrie) التي مزقتها جرّافة إسرائيلية. وتساءل الناجون: لماذا يحدث هذا لمئات الأشخاص بينما يتصاعد الصراخ واللعنات، وبينما دخان الغاز الخانق والمهيج للأعصاب يخنق الحناجر ويسلخ الجلود في أبشع الصور. بينما كانوا يرون الناس تسقط وتدفق الدم يخرج من رقابهم وأعناقهم كأنهم قرابين تهدى للشيطان تمهيدا لحكم رمزه الدبابة القضبان السجنية. كان الجميع يفر من الموت نحو الموت، ولا نجاة لمن غرّد خارج سرب العسكر. أما الكلمات القليلة، التي صرح بها وزير الداخلية في القاهرة وظفت لتبرير العملية، التي عرّفها بـ"عملية تحقيق النظام العام لأسباب أمنية"، مدعيا بذلك وجود "جماعات مسلحة" بين المتظاهرين.

تلك النويات للدفاع عن النفس المستخدمة من قبل الإخوان في بعض الاشتباكات في الأشهر السابقة مع الشرطة والخصوم السياسيين، تختلف كثيرا عن الجهاد الذي من المفترض أن يكون بسببه جزء من شباب الجماعة انتهى في السجون، بعد أن عاشوا القمع الطبقي في البلاد سنة بعد سنة، في فترات الحكم ما قبل مرسي. آلاف رجال الشرطة، والعساكر، والقناصين يطلقون النار على الحشود عُزّل، ويكثّفون إطلاق النار على الجماعات والأفراد بمجرد رؤية أجسادهم، واستمر ا في ضربهم حتى داخل المسجد حيث احتموا على أمل الحماية في المكان المقدس، ولكن لا شيء أقدس من كرسي الحُكم.

ما بعد الأحداث، انتشرت في اليوم التالي على وسائل الإعلام، التي كانت قد جمعت، من قبل، مشاهدا صادمة تظهر تعرض رجال الأمن لاعتداءات إرهابية، بينما تم تسريب فيديوهات خارج مصر، طبعا قبل إغلاق وسائل التواصل الاجتماعي،  تظهر فظاعة أكبر مجزرة أهلية مع بداية القرن الواحد والعشرين، في بلاد عربية مسلمة.


وعمل النظام المصري بكل جهد لطمس معالم هذه المجزرة التي تظل لاصقة في الجانب الأسود من تاريخ مصر، وطارد كل من نبش في ملفاتها، سواء كان مصريا أو أجنبيا، كما حدث تماما مع الطالب الباحث الإيطالي، جوليو ريجيني. فقط هيأة إنسانية واحدة وهي (هيومن رايتس ووتش) التزمت في تحقيق لإعادة فظائع تلك الساعات. بغية إنجاز ذلك، تم أخد أرقام هواتف الضحايا (بين 800 و1200)، مع ذلك 800 أخرين لم يُعلَم عنهم شيء: هل جرى سحقهم حتى يصعب التعرف عليهم؟ هل قتلوا بعد ذلك وجرى إخفاءهم؟ مثل آلاف الموؤدين أحياء، ومعتقلين لم يُطلق سراحهم أبدا في وطن عظيم حوّله السيسي وعساكره إلى سجن كبير تتحرك فيه وسائل التعذيب في صمت مطلق، يتستر عليه العالم الذي لا يطلب منه شيئا.