بعد خمسين عامًا على نهاية الحرب... فيتنام لا تزال تدفع ثمن الأسلحة الكيميائية الأميركية - الإيطالية نيوز
Facebook social icon TikTok social icon Twitter X social icon Instagram social icon WhatsApp social icon Telegram social icon YouTube social icon

آخر الأخبار

الخميس، 1 مايو 2025

بعد خمسين عامًا على نهاية الحرب... فيتنام لا تزال تدفع ثمن الأسلحة الكيميائية الأميركية

الإيطالية نيوز، الخميس 1 مايو 2025 - أحيا الشعب الفيتنامي، الثلاثاء 29 أبريل، الذكرى الخمسين لنهاية حرب فيتنام، التي تُعدُّ واحدة من أطول الحروب وأكثرها دموية في القرن العشرين. وأسفرت هذه الحرب عن مقتل نحو ثلاثة ملايين فيتنامي و60 ألف جندي أميركي، ولا تزال آثارها المُدمِّرة تتردَّد حتَّى اليوم، بسبب الاستخدام الواسع للأسلحة الكيميائية من قبل الجيش الأميركي.


دارت الحرب بين فيتنام الشمالية، ذات التوجُّه الشيوعي، وفيتنام الجنوبية المدعومة من الغرب، بدايةً من فرنسا ولاحقًا من الولايات المتحدة. واستمرَّت الحرب من عام 1955 حتَّى 1975، وانتهت بِـ"سقوط سايغون" وإعادة توحيد البلاد تحت حكم الشمال، في 30 أبريل 1975. واعتبر الرئيس الفيتنامي الحالي، «تو لام»، في كلمة له خلال مراسم الذِّكرى، هذا الحدث "نصرًا للإيمان والعدالة على الطُّغيان".


آثار لا تزال قائمة

ورغم مرور نصف قرن على نهاية الصراع، لا يزال الفيتناميون يعانون من إرث الحرب. فبحسب تقديرات الحكومة الفيتنامية، قُتل حوالي 40 ألف شخص بسبب الألغام والقنابل غير المنفجرة منذ عام 1975، كما تعرض قرابة خمسة ملايين مواطن لمواد سامة، أدى بعضها إلى وفاة عشرات الآلاف.


وتُعد الأسلحة الكيميائية المستخدمة من أخطر مخلّفات الحرب. فقد ألقت الولايات المتَّحدة، ضمن عملية عسكرية حملت إسم "رانش هاند"، أكثر من 70 مليون لتر من مادَّة "العامل البرتقالي" (Agent Orange) بين عامي 1961 و1971. وتسبَّبت هذه المادَّة، التي تحتوي على مركَّبات شديدة السُّمية، بتلويث التُّربة والمياه، ولا تزال آثارها ممتدة عبر الأجيال، مُسبِّبة حالات إجهاض، وتشوُّهات خِلقية، وأمراض سرطانية ومشاكل في النُّمو لدى الأطفال حتَّى اليوم.


استعراض عسكري وتأكيد على الوحدة الوطنية

في مدينة هو تشي منه، التي كانت تعرف سابقًا باسم "سايغون"، نُظّمت أمس مسيرة عسكرية ضخمة احتفالًا بذكرى إعادة التوحيد. وخلال المناسبة، شدَّد الأمين العام للحزب الشيوعي على وحدة البلاد قائلاً: «فيتنام واحدة، وشعبها واحد. قد تجف الأنهار وتنهار الجبال، لكن هذه الحقيقة لن تتغيَّر أبدًا».


وتَحدَّى فيتنام الشمالي القوة العسكرية الأميركية، التي سعت بكل الوسائل لمنع إعادة توحيد البلاد. ومع أنَّ واشنطن سَخَّرت إمكانات جوِّية وبرِّية وبحرية هائلة، فإنَّ "الفيت كونغ"، بدعم شعبي كبير وتأييد من الاتِّحاد السوفييتي والصين، تمكَّنوا في النهاية من حسم المعركة.


أسلحة محرّمة دوليًا

رغم توقيع الولايات المتحدة على "بروتوكول جنيف" لعام 1925 الذي يُحرِّم استخدام الأسلحة الكيميائية، لجأت واشنطن إلى استخدام نوعين رئيسيين منها خلال الحرب: قنابل "النابالم" والعامل البرتقالي.


قنابل "النابالم"، وهي مادة هلامية شديدة الالتصاق تشتعل عند درجات حرارة مرتفعة، استُخدمت لحرق الغابات والقرى التي يُعتقد أنها تأوي مقاتلين من الشمال. أمَّا "العامل البرتقالي"، فكان يُستخدم لتجريف الغابات وتدمير المحاصيل. غير أن تأثيره لم يتوقف عند ذلك، بل أدَّى إلى تلوُّث غذائي ومائي طويل الأمد، إذ تسرُّب إلى الأنهار والمزارع، مخلِّفًا أضرارًا جسيمة على صحَّة الإنسان والبيئة.


واشتهرت صورة تاريخية التُقطت عام 1972 وتظهر فيها الطفلة "كيم فوك" وهي تركض عارية من ملابسها المحترقة إثر قصف بالنابالم، لتغدو رمزًا لمآسي تلك الحرب.


تناقضات السياسة الأميركية

وعلى الرغم من تمويل الولايات المتحدة لعدد من مشاريع إزالة التلوث بعد الحرب، لا تزال مناطق شاسعة من فيتنام ملوثة بالمواد السامة. ويلفت مراقبون إلى ما يعتبرونه تناقضًا في الموقف الأميركي، إذ غالبًا ما توجه واشنطن اتهامات باستخدام الأسلحة الكيميائية إلى خصومها السياسيين، كما حصل في سوريا، بينما تغضُّ الطرف عن دورها التاريخي في استخدامها على نطاق واسع في فيتنام، من دون محاسبة.


وفي عام 1995، طبَّعت واشنطن علاقاتها مع "هانوي"، وشهدت العلاقات الثنائية تقاربًا كبيرًا خلال السنوات الأخيرة، بلغ ذروته بزيارة الرئيس الأميركي السابق «جو بايدن» إلى العاصمة الفيتنامية عام 2023. لكن فيتنام حافظت في المقابل على روابط وثيقة مع روسيا، المزود الرئيسي للسلاح، ومع الصين التي تضخُّ استثمارات ضخمة في اقتصادها.


عبء لا ينتهي

ورغم التحسُّن في العلاقات الدولية، لا تزال البلاد تواجه واحدة من أخطر تبعات الحرب: الأثر المستمر للأسلحة الكيميائية على صحَّة المواطنين والبيئة. وهو ملف لا يزال مفتوحًا ويطرح تساؤلات أخلاقية وسياسية عن المسؤوليات التاريخية والمحاسبة الغائبة.