أغانٍ مزيَّفة ومشاهير "افتراضيون"
بين أبرز المواد المتداولة، مقاطع موسيقية تنسب إلى نجوم عالميين مثل «بيونسيه»، «آر. كيلي»، «ريهانّا» و«50 سنت»، يظهرون فيها وهم يؤدُّون أغنية بعنوان "اللهم احفظ تراوري"، ويمدحون فيها الزعيم العسكري باعتباره "صوت الشعب" و"رمز التحرُّر من الاستعمار".
إلَّا أنَّ هذه التسجيلات مفبركة بالكامل باستخدام تقنيات "ديب فيك"، حيث يتم تركيب صوت مزيَّف وصور معدَّلة على لقطات أرشيفية للمشاهير. وعلى الرَّغم من رداءة التنفيذ في كثير من الحالات، فإنَّ عددًا كبيرًا من المستخدِمين تلقّى المحتوى كحقيقي، خاصة في إفريقيا جنوب الصحراء وفي أوساط الجاليات الإفريقية حول العالم.
البابا وتراوري: قصة أخرى من الخيال
بين أبرز حالات التضليل، مقطع منسوب إلى البابا «ليون الرابع عشر»، يتحدَّث فيه لمدة 35 دقيقة عن رسالة مزعومة من «تراوري»، ويشيد "بشجاعته" و"صراخه العادل بإسم قارة جُرحت طويلًا". رغم أن المقطع يعتمد على صور حقيقية للبابا خلال مؤتمر صحفي، فإنَّ الصوت مصطنع بالكامل، وقد جرى تعديله ليطابق حركات شفتيه باستخدام تقنيات متقدِّمة من الذكاء الاصطناعي.
قصص مفبركة وانتشار واسع
انتشرت كذلك روايات زائفة أخرى، مثل ادعاء أن «تراوري» طُلب منه تغيير مقعده في طائرة لصالح راكب فرنسي أبيض، أو أنَّ مظاهرات ضخمة خرجت في فرنسا دعمًا له، وهي في الواقع مشاهد من احتجاجات سابقة في صربيا. كما روَّجت صفحات على "فيسبوك" أن روسيا أرسلت قوات لحمايته من انقلاب أمريكي محتمل – خبر زائف تم تداوله من قبل أكثر من 160 حسابًا مرتبطة بشبكات تضليل إلكترونية.
الوجه الآخر لتراوري
«تراوري»، البالغ من العمر 37 عامًا، وصل إلى الحكم عبر انقلاب في عام 2022، وسرعان ما تبنى نهجًا معاديًا لفرنسا وسعى لتقليص نفوذها الاقتصادي والسياسي في البلاد، في انسجام مع مشاعر متنامية في إفريقيا تجاه القوى الاستعمارية السابقة. ورغم شعبيته بين قطاعات من الشباب، إلا أن حكومته العسكرية متهمة بقمع الحريات، بما في ذلك اعتقال الصحفيين، إغلاق وسائل الإعلام، وارتكاب انتهاكات ضد المدنيين على يد القوات المسلحة.
روسيا في الخلفية
يرى محللون أن صعود «تراوري» في الفضاء الرقمي يتقاطع مع أهداف جيوسياسية روسية. فقد أعادت "موسكو" فتح سفارتها في "واغادوغو" عام 2023 بعد انقطاع دام أكثر من 30 عاماً، وعززت حضورها الإعلامي والدبلوماسي في البلاد. منظمة Code for Africa وثقت دعم الإعلام الروسي الرسمي لتراوري منذ عام 2022، مشيرة إلى جهود منسقة لنشر صورته كبطل مناهض للغرب.
ويُعلِّق الباحث البوركيني «أليدو وريم» بالقول: «هذا هو شعبوية الخوارزميات: عاطفية، بصرية، ومعادية للغرب، لكنها تُقصي الكثير من الحقيقة».
خلاصة
في زمن الذكاء الاصطناعي والتضليل الرقمي، لا تحتاج إلى حقيقة لتصنع بطلاً. حالة «إبراهيم تراوري» تبيّن كيف يمكن تحويل زعيم سياسي إلى ظاهرة عالمية مفبركة، عندما تلتقي الكاريزما الشخصية مع أدوات التأثير الجديدة والأجندات الجيوسياسية الخفية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق