الإيطالية نيوز، الجمعة 9 مايو 2025 – بعد غياب دام قرابة عام ونصف، عادت رئيسة الوزراء الإيطالية، «جورجا ميلوني»، إلى قاعة البرلمان لعقد رابع جلسة مساءلة مباشرة (Question Time) منذ تولِّيها رئاسة الحكومة. لكن الجلسة التي عُقدت أمس، الثلاثاء 7 مايو، في مجلس الشيوخ، وانطوت على آمالٍ بمساءلة شفَّافة حول قضايا تمسُّ حاضر البلاد ومستقبلها، انتهت إلى مجرَّد منازلة كلامية بين الأغلبية والمعارَضة، حيث طغت التوتُّرات الحزبية على جوهر النِّقاش، وغابت عنها الإجابات الواضحة.
تناولت «ميلوني»، في ردودها المتفرِّقة، قضايا الدِّفاع، والسياسة الخارجية، والطاقة، والاقتصاد، والإصلاحات، والهجرة، مركِّزةً على ما اعتبرته "إنجازات" لحكومتها، وراسِمةً ملامحًا أوَّلية لمشاريع مستقبلية. غير أنَّ الجلسة لم تشهد سوى عدد محدود من الأسئلة الفعلية من البرلمانيين، وأكثر منها كانت المداخلات ذات طابع خطابي أو نقدي. بالمقابل، لم تُقدِّم رئيسة الوزراء إجابات تفصيلية تذكر، بل اكتفت بعموميات وخطابات ترويجية.
وكان السيناتور «كارلو كاليندا»، زعيم حزب "أتسيوني" (Azione)، أول من بادر بطرح سؤال حول توجُّه الحكومة في مجال الدِّفاع، فأجابت «ميلوني» بأنَّ حكومَتها ماضية في تخصيص %2 من النَّاتج المحلِّي الإجمالي للدِّفاع بنهاية العام، مؤكِّدة في الوقت نفسه على أنَّها لن تستخدم أموال الاتحاد الأوروبي المخصَّصة للتنمية الإقليمية لهذا الغرض.
وفي مواجهة حادَّة مع السيناتور «ماتيو رينسي»، أكَّدت «ميلوني» على تمسُّكها بمشروع "الرئاسة التنفيذية" (رئاسة وزراء منتخبة مباشرة)، مُعرِبةً عن انفتاحها على إدخال نظام التفضيلات في قانون الانتخابات، بما يتيح للناخبين اختيار مرشَّحهم مباشرة. كما جدَّدت دعمها لأوكرانيا، لما يُعرف بـ"الخطة العربية" للتهدئة في قطاع غزة، ولتعزيز العلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة.
وأثار هذا التقارب مع واشنطن جدلًا واسعًا تحت قُبَّة البرلمان، إذ اتَّهمها برلمانيون معارضون بـ"الخضوع التام" للمصالح الأمريكية، خاصة في مجالات الاقتصاد والطاقة. وردَّت «ميلوني» بنفي ادعاءَات المعارَضة حول تخصيص "40 مليار يورو" للولايات المتحدة، ووصفت الرَّقم بأنه "مُفَبرَك". وعن سياسة الطاقة، أكَّدت على اعتماد حكومتها على تنويع مصادر التوريد، بما في ذلك الغاز الطبيعي المسال (GNL) الأمريكي.
وفي المحور الاقتصادي، اقتصرت تدخُّلات رئيسة الحكومة الإيطالية على الإشادة بإنجازات حكومتها من دون تقديم خُطَط ملموسة، وجاءت معظم الأسئلة من نواب في صفوف الأغلبية. أمَّا الهجرة، فكان آخر المواضيع المطروحة، وتناولته «ميلوني» بتكرار خطابها المعتاد حول نجاحات الحكومة، مع انتقاد جديد للقضاء الإيطالي في ما يخصُّ الاتِّفاق المثير للجدل مع ألبانيا بشأن استقبال المهاجرين.
تحليل: مناسبة مهدورة للحوار الجاد
رغم أهمية الملفات التي طُرحت، بدا واضحًا أنَّ جلسة المساءلة قد أُفرغت من مضمونها الرَقابي الحقيقي. فبدلًا من مناقشة خُطط الإنفاق العسكري، أو الإجراءَات الاقتصادية لمساعدة الفئات الضعيفة، أو حل أزمة ارتفاع فواتير الطاقة، طغى الخطاب الحزبي على النِّقاش. كما غابت كلِّيًا الإجابات حول مواقف إيطاليا من تسوية الحرب في أوكرانيا أو الوضع الإنساني في قطاع غزة.
وبذلك، تحوّلت جلسة طالما طالبت بها المعارضة إلى فرصة جديدة للحكومة لإعادة تكرار سرديتها السياسية، بعيدًا عن أي التزام بالشَّفافية أو التوضيح للمواطنين، الذين يبقون مرة أخرى من دون أجوبة على تساؤلاتهم الحقيقية.