ورغم عدم ذكر الولايات المتحدة صراحة، أشار البيان الختامي إلى "الاضطرابات النَّاتجة عن الحماية التجارية والتوجُّهات الأُحادية"، في إشارة واضحة إلى الحرب التجارية التي أطلقها الرئيس الأميركي السابق «دونالد ترامب». وفي مواجهة هذا التهديد، أعلن وزراء الدول المشاركة تعزيز شبكة الأمان المالي الإقليمي عبر إطلاق آلية تمويل طارئة جديدة، تهدف للاستجابة السريعة للأزمات النَّاتجة عن الجوائح والكوارث الطبيعية.
وشارك في الاجتماع مُمثِّلون رفيعو المستوى، بينهم رئيس بنك التنمية الآسيوي، نائب المدير العام لصندوق النقد الدولي، ومسؤولون عن مكتب الأبحاث الماكرو اقتصادية الخاص بـ"ASEAN+3". واتفق الوزراء على تطوير هيكلية جديدة ضمن "مبادرة تشيانغ ماي المتعددة الأطراف" (CMIM)، وهي آلية تبادل نقدي أُنشئت بعد الأزمة المالية الآسيوية عام 1997، تهدف إلى حماية الاستقرار المالي في حالات الصدمات المفاجئة. الهيكلية الجديدة ستتيح تقديم التمويل الطارئ للدول الأعضاء من دون شروط مسبقة.
ويأتي هذا التحرُّك الجماعي بينما تواجه دول المنطقة تهديدات مباشرة من الرُّسوم الجمركية الأميركية الجديدة، والتي قد ترتفع إلى %49 على صادرات كمبوديا و%46 على صادرات فيتنام، فور انتهاء فترة التهدئة الجمركية البالغة 90 يومًا. حتَّى حلفاء واشنطن التقليديين، كاليابان وكوريا الجنوبية، لم يَسْلَموا من الإجراءات الأميركية، إذ فُرضت عليهما رسوم بلغت %24 و%25 على التوالي، فيما تبقَّى الصين الهدف الأساسي لتلك الحرب التجارية.
وأكَّد البيان المشترك أنَّ تصاعد الحمائية التجارية يؤدِّي إلى "تفكُّك اقتصادي، ويُؤثِّر سلبًا على التجارة والاستثمار وتدفُّقات رؤوس الأموال في عموم المنطقة"، محذِّرًا من مخاطر إضافية مثل تشديد السياسات المالية عالميًا وتراجع الطَّلب لدى الشركاء التجاريين الكبار. كما شدَّد على أهمِّية التمسُّك بنظام تجاري عالمي قائم على قواعد واضحة، وشامل، وعادل، وشفَّاف، بقيادة منظمة التجارة العالمية.
من جانبه، انتقد وزير المالية الصيني «لان فوان» ما وصفه بـ"الحمائية والانفرادية"، معتبِرًا أنَّ اقتصادات المنطقة تُظهر مرونة قوية وإمكانات نمو كبيرة. وأكَّد على استعداد بلاده للعمل ضمن إطار "10+3" لتعزيز الانفتاح والتعاون، وترسيخ الاستقرار في مواجهة الاضطرابات العالمية.
وفي سياق متصل، تبرز مواقف اليابان وكوريا الجنوبية — الحليفين الاستراتيجيين لواشنطن — كمؤشِّر على التغيُّر الحاصل في موازين القوى. فقد سبق أن اجتمعت الدول الثلاث (الصين، اليابان، كوريا الجنوبية) لإحياء مفاوضات بشأن إنشاء منطقة تجارة حرَّة، فيما لمّح وزير المالية الياباني «كاتسونوبو كاتو» إلى إمكانية استخدام سندات الخزانة الأميركية التي تمتلكها بلاده كورقة ضغط ضد واشنطن، في خطوة تُظهر بداية التململ من السياسات الاقتصادية الأميركية الأحادية.
هذا الحراك الإقليمي يعكس إرادة متزايدة بين دول آسيا لبلورة نظام اقتصادي أكثر استقلالًا وتوازنًا، بعيدًا عن الهيمنة الغربية التقليدية.