وينصُّ القرار على ضرورة تصديقه من قبل البرلمان الأوكراني، إضافةً إلى مرور ستة أشهر على تقديم طلب الانسحاب إلى الأمين العام للأمم المتحدة، حتّى يُصبح ساري المفعول. ومع ذلك، إذا كانت أوكرانيا لا تزال في حالة حرب عند انقضاء هذه المدَّة، فإنَّها ستكون ملزَمة مؤقَّتًا بالاستمرار في احترام أحكام الاتِّفاقية.
جدير بالذكر أنَّ "اتِّفاقية أوتّاوا"، التي جرى توقيعها في عام 1997 من قِبل أكثر من 160 دولة (من دون أن تشمل روسيا)، تهدف إلى الحدِّ من المعاناة البشرية الناتجة عن استخدام الألغام المضادَّة للأفراد، والتي لا تزال حتَّى اليوم تودي بحياة الآلاف وتتسبّٰب في أضرار جسيمة للمدنيين والأراضي، حتَّى في أوقات السلم.
ووقًّع الرئيس الأوكراني «فولوديمير زيلينسكي» مرسوم الانسحاب يوم الأحد 29 يونيو. وأكَّد بيان الخارجية الأوكرانية على أنَّ "الظروف التي أُبرِمت فيها الاتِّفاقية قد تغيَّرت"، مشيرًا إلى أنَّ روسيا "استخدمت الألغام المضادَّة للأفراد بشكل واسع منذ عام 2014 كأداة حرب". وأضاف البيان أنَّ أوكرانيا وجدت نفسها في "وضع غير عادل يحدُّ من حقِّها في الدِّفاع عن النَّفس، كما تكفله المادَّة 51 من ميثاق الأمم المتحدة".
وأوضحت "كييف" أنَّ هذا القرار "سياسي صعب لكنه ضروري"، ويعكس ما قامت به خمس دول أوروبية أخرى مجاورة لروسيا وبيلاروسيا. واعتبرت أوكرانيا أنَّ هذه الخطوة "متناسبة مع حجم التهديدات الأمنية" التي تمثِّلها روسيا، داعية المجتمع الدولي إلى "تفهُّم التدهور الحاد في الوضع الأمني الإقليمي منذ انضمام أوكرانيا إلى الاتِّفاقية".
يُشار إلى أنَّ قضية الألغام المضادة للأفراد في أوكرانيا أُثيرت سابقًا في نوفمبر الماضي، عندما قرَّر الرئيس الأمريكي آنذاك، «جو بايدن»، إرسال شحنة من هذه الألغام إلى كييف. ومع المرسوم الأخير، تصبح أوكرانيا سادس دولة أوروبية تعلن عن نيتها الانسحاب من "اتفاقية أوتّاوا" خلال بضعة أشهر، بعد كل من بولندا، وإستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا، وفنلندا. وقد برَّرت جميع هذه الدول قرارها بالإشارة إلى التهديد الروسي المتزايد.
ولكي يدخل الانسحاب حَيِّز التنفيذ، يجب أولا أن يقره البرلمان الأوكراني، ثم تُوجَّه مذكرة رسمية إلى باقي الدول الموقِّعة على الاتِّفاقية، وإلى مجلس الأمن الدولي، وكذلك إلى الأمين العام للأمم المتحدة بصفته الجهة المودعة للاتِّفاقية. ووفقًا للمادة 20 من نص الاتِّفاقية، فإن "الانسحاب لا يصبح نافذًا إلَّا بعد ستة أشهر من تاريخ تلقّي الجهة المودعة إشعار الانسحاب. غير أنَّه إذا كانت الدولة المنسحِبة طرفًا في نزاع مسلَّح عند انتهاء هذه المدَّة، فإن الانسحاب لا يسري إلا بعد انتهاء الحرب".
ورغم مرور أكثر من 27 عاما على دخول "اتفاقية أوتَّاوا" حيِّز التنفيذ، لا تزال الألغام المضادَّة للأفراد تُمثِّل معضلة دولية كبرى. ووفقًا لتقرير "مراقبة الألغام الأرضية" لعام 2024، فقد تسبَّبت هذه الألغام في مقتل وإصابة ما لا يقل عن 5,757 شخصًا خلال عام 2023 وحده، بينما بلغ عدد الضحايا منذ عام 1999 أكثر من 114,228 شخصًا، من بينهم 91,011 مدنيًا.
وتعدُّ أوكرانيا اليوم من أكثر الدول تلوُّثًا بالألغام على مستوى العالم، إذ تشير التقارير إلى أنَّ قرابة ثلث أراضيها معرَّضة لخطر التلوُّث نتيجة النزاع القائم. وفي عام 2023 وحده، سُجِّلت في أوكرانيا أكثر من 580 إصابة نتيجة الألغام، بين قتلى وجرحى. ومنذ اندلاع الحرب في 2022، وُجِّهت اتِّهامات لكل من روسيا وأوكرانيا باستخدام الألغام المضادَّة للأفراد. وتؤكِّد منظمة "هيومن رايتس وُتْش" عاى أنَّها تمتلك أدلَّة على قيام القوات الروسية بزرع الألغام في الأراضي الأوكرانية المحتلَّة، كما أعربت عن شكوكها بشأن لجوء القوات الأوكرانية إلى الأسلحة ذاتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق