وبحسب ما نشرته شبكة "ماي بيو لاغر – لا للمراكز الفرز والطرد" (CPR)، فإن الحادثة وقعت عقب واحدة من عدَّة انتفاضات اندلعت داخل المركز، احتجاجًا على الظروف غير الإنسانية للاحتجاز. وتُظهِر مقاطع فيديو، سُرِّبت من داخل المركز في 5 يونيو، مشاهد صادمة لرجل مهاجر شبه عارٍ، يركض هاربًا بينما يطارده عناصر شرطة مكافحة الشغب، قبل أن يتمنوا من الإمساك به بعنف وسحبه بالقوة إلى غرفة مظلمة، ثم يَظهَر لاحقًا ممدَّدًا على الأرض ووجهه مغطًى بالدِّماء.
ويُسمَع في التَّسجيلات صوت صراخ الضحية وهو يصرخ: «لا، لا!»، فيما يحيط به عناصر الأمن. وفي مشهد لاحق، يظهر رجل أخر يُصوِّر رأس المهاجر المصاب ويُعلِّق: «إنه مغطَّى بالدِّماء». يظهر المكان متَّسخًا ومبلَّلًا جزئيًا، بينما تغيب أي استجابة طبِّية عن الموقع.
الشرطة تنفي... والمنظَّمات ترد
في المقابل، أصدرت شرطة "غوريتسيا" بيانًا نفت فيه وقوع اعتداء، مدعيةً أنَّ ما جرى كان نتيجة "سقوط عرضي" للمهاجر، وهو ما زُعم أنَّه أُبلغ به رسميًا.
وأضاف البيان أنَّ الحادثة وقعت عقب أعمال شغب أشعل فيها المحتجزون النيران داخل ما يُعرف بـ"المنطقة الزرقاء"، ما استدعى تدخُّل قوات الأمن لإعادة النِّظام وحماية موظَّفي الإدارة.
وتابع البيان أن الضحية سبق له القيام بـ«سلوكيات متكرِّرة ذات طابع إيذاء النَّفس لأغراض ضغط»، بحسب ما ورد في الملف الخاص به. غير أن تلك الرواية الرَّسمية بدت بعيدة تمامًا عن واقع المشاهد المصوَّرة التي تُظهر آثار كدمات حادَّة على ظهر الرجل، من دون وجود أدلَّة ملموسة تدعم رواية "السقوط العرضي".
وفي تعليقها على ذلك، قالت شبكة "ماي بيو لاغر – لا لـ CPR": «تلقَّينا تأكيدًا على صحة المقاطع المصوَّرة، ونستقبل بلاغات مماثلة بشكل أسبوعي تقريبًا. إنَّ رد الشرطة، الذي يتضمَّن تهديدًا ضمنيًا للجهات التي تحدَّثت عن تعرُّض المهاجر للضرب، يكشف عن حالة من الارتباك والحرج إزاء ما لا يمكن إنكاره: عنف ممنهَج يُمارَس يوميًا داخل هذه المراكز».
أوضاع كارثية وظروف احتجاز مهينة
تأتي هذه الأحداث في سياق عام يشهد احتجاجات متكرِّرة داخل المركز، نتيجة سوء التغذية، وانعدام النظافة، ونقص حاد في مياه الشرب (لا يُسمح بأكثر من زجاجتين من نصف لتر يوميًا)، بالإضافة إلى تدهور المرافق وغياب كامل للمنتجات الصحية. كما أُبلغ عن انتشار مشبوه لحالات الجرب بين المحتجزين، حيث أشار الدكتور «نيكولا كوكّو»، عضو الجمعية الإيطالية لطب الهجرة، إلى رصده شخصيًا لحالات مشتبه بها، مؤكِّدًا على أنَّ ما يُقدَّم لهم ليس سوى «مضادات هيستامين بسيطة»، غير فعَّالة في مواجهة هذا الطُفَيل الجلدي.
المركز تديره حاليًا جمعية "إيكيني" (Ekene)، المنبثقة عن "إديكو" (Edeco)، التي سبق تورُّطها في قضايا متعدِّدة تتعلَّق بسوء الإدارة والعقود المشبوهة وحالات وفاة مثيرة للجدل. ورغم سجلِّها المثير للقلق، تواصل هذه الجهة الفوز بعقود تشغيل مراكز مماثلة في أنحاء متفرِّقة من إيطاليا.
أوروبا تدقُّ ناقوس الخطر: انتهاكات ممنهَجة وغياب للرَّقابة
كانت اللجنة الأوروبية لمناهضة التعذيب (CPT)، التَّابعة لمجلس أوروبا، قد نشرت تقارير في الأشهر الأخيرة توثق انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان داخل مراكز الاحتجاز الإيطالية، بما فيها مركز "غاديسكا ديسونزو". وتشمل هذه الانتهاكات: سوء المعاملة الجسدية، استخدام أدوية مهدِّئة من دون علم الضحايا، غياب الرِّعاية الصحِّية، وتدهور النظافة بشكل خطير.
ويؤكِّد التقرير على أنَّ نظام الرَّقابة على الأجهزة الأمنية داخل هذه المراكز غير فعَّال، حيث يحدث إرسال وحدات تدخُّل ومكافحة شغب بالتناوب، بدلًا من اعتماد كفاءات مدرَّبة قادرة على التعامل مع الصدمات النفسية والتوتُّر. كما لا يحدث احترام الحقوق الأساسية للمهاجرين، كالحصول على محامٍ، أو إبلاغهم بأسباب احتجازهم، أو حتّى إعلام ذويهم بمكان وجودهم.ك
نظام مأزوم... وتحقيقات مستمرة
ويكشف التقرير أن العديد من الشركات المشغلة لهذه المراكز لا تلتزم بدفاتر الشروط، وتعمل في ظروف تتسم بانعدام الشفافية، في ظل فتح تحقيقات قضائية متعددة ضد مديري ومشغلي هذه المرافق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق