دفاع «نورديو» في قضية المصري يزداد ضعفا: فوضى في وزارة العدل الإيطالية - الإيطالية نيوز

إعلان فوق المشاركات

 دفاع «نورديو» في قضية المصري يزداد ضعفا: فوضى في وزارة العدل الإيطالية

دفاع «نورديو» في قضية المصري يزداد ضعفا: فوضى في وزارة العدل الإيطالية

لم يكن دفاع وزير العدل الإيطالي «كارلو نورديو» في قضية «أسامة نجيم المصري»، الرئيس السابق لجهاز الشرطة القضائية اللّيبية المتَّهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، مقنِعًا منذ البداية. إلَّا أنَّ تفاصيل جديدة ظهرت في الأسابيع الأخيرة كشفت عن إدارة مرتبكة وفوضوية داخل أروقة وزارة العدل.


منذ اللَّحظات الأولى التي أعقبت الإفراج المثير للجدل عن «المصري» وإعادته إلى بلاده على متن طائرة حكومية، برزت مفارقة لافتة: فقد بدا أن «نورديو» بذل جهداً كبيرا لتفادي تأكيد قرار توقيفه. أو بالأحرى، تجاهل اتِّخاذ إجراء بسيط كان كفيلًا، في حال أراده، بتسوية أي خلل شكلي في الوثائق التي أرسلتها المحكمة الجنائية الدولية إلى الحكومة الإيطالية لطلب توقيف «المصري».


هذه المفارقة كانت واضحة منذ البداية، خصوصًا بعد صمت الحكومة الإيطالية حُيال التبريرات الرَّسمية للإفراج عن «المصري». فقد قدم «نورديو» ورئيسة الوزراء «جورجا ميلوني» روايات متضاربة ومبهَمة، نافيين بدايةً أي دور للحكومة في القرار، ومشيرين إلى أنَّ القضاء هو من اتَّخذ الخطوة. لكن لاحقًا، تبيَّن أنَّ التوجُّه الحكومي كان منذ البداية يميل إلى إطلاق سراح «المصري».


وفي الأسابيع الأخيرة، بعد تصريحات علنية أدلى بها زعيم حزب "إيطاليا فيفا" «ماتيو رينسي» وعدد من التقارير الصحفية، ظهرت معطيات جديدة تؤكِّد – بل وتُعمِّق – جوانب الخلل في تعامل الحكومة مع القضية. كما كشفت عن وجود مشهد أكثر اضطرابًا داخل وزارة العدل، تتخلَّله ارتباكات إدارية وصراعات مؤسَّسية حادَّة.


خيوط جديدة في قضية المصري تُضعف رواية نورديو بشأن توقيفه في إيطاليا

في الساعات الأولى من صباح الأحد 19 يناير، وتحديدًا عند الثالثة والنصف فجرًا، تم توقيف «نجيم أسامة المصري» داخل أحد فنادق "بياتسا ماسَّاوا" بمدينة «تورينو». وبعد نحو أسبوعين، وتحديدًا في الخامس من فبراير، أدلى وزير العدل الإيطالي «كارلو نورديو» بشهادته أمام البرلمان، مشيرًا إلى أنَّ خبر الاعتقال وصله "عبر بريد إلكتروني غير رسمي أرسله موظَّف في "الإنتربول" إلى مسؤول في إدارة شؤون العدالة بوزارة العدل، عند الساعة 12:37 ظهرًا من ذلك اليوم نفسه". وأضاف «نورديو» أن الرسالة كانت "مقتضبة، تفتقر إلى البيانات التعريفية الأساسية، ولا تتضمَّن – كما هو متوقَّع – أي نسخة من القرار القضائي الذي كان ينبغي علينا تقييمه لاحقًا".

لكن المعلومات التي ظهرت خلال الأسابيع الأخيرة، والتي كُشف عنها بفضل تغطيات صحفية موثوقة، أبرزها تلك التي قدَّمها الصحفي «جوفاني بيانكوني» من صحيفة "كوريري ديلّا صيرا"، إلى جانب تسريبات مرتبطة بتحقيقات المحكمة الخاصة بالوزراء في حق «نورديو»، تثير شكوكًا جدية حول دقَّة هذه الرواية.


فالمعطيات المتوفِّرة تؤكِّد أنَّ وزارة العدل تلقَّت بالفعل، صباح ذلك الأحد، معلومات دقيقة ومتكاملة بشأن توقيف «المصري»، وذلك عبر القنوات الرسمية المعتمَدة بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، ووفقًا لما تنصُّ عليه التشريعات الإيطالية. وقد تم هذا من خلال القاضي الإيطالي المكلّف بالتنسيق مع المحكمة الجنائية الدولية، «أليسّاندرو سوتيرا ساردو»، والذي يعمل في سفارة إيطاليا في "لاهاي" – المدينة التي تحتضن مقر المحكمة الدولية.


في حدود وقت الغداء من اليوم نفسه، قام القاضي «سوتيرا ساردو» بتحميل مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، مرفقة بجميع الوثائق المتعلِّقة بها، على منصة داخلية خاصة بوزارة العدل تُعرف بإسم "PRISMA"، وهي القناة الرَّسمية لاعتماد هذا النَّوع من الإشعارات القانونية.


لكن قبل ذلك، وكما جرت العادة في القضايا الحسَّاسة، كان قد جرى تبادل غير رسمي ومُكَثَّف للمعلومات بين السفارة الإيطالية في "لاهاي" ووزارة العدل في روما، عبر قنوات مباشرة وأسرع من النظام البيروقراطي الرسمي.


شبكة تواصل واسعة داخل الوزارة تكشف أدواراً مؤثرة... وخلافات مبكرة بشأن مذكرة توقيف المصري

شملت الاتصالات غير الرسمية التي سبقت التنسيق الرسمي بين وزارة العدل الإيطالية والمحكمة الجنائية الدولية عدداً من الشخصيات البارزة، من بينهم القاضي «أليسّاندرو سوتيرا ساردو»، وبعض موظفي "الإنتربول"، والمستشار الدبلوماسي لوزير العدل «أوغوستو ماسّاري»، والمديرة العامة للشؤون الدولية والتعاون القضائي «ماريا إيمانوئيلا غويرا»، ورئيس إدارة شؤون العدالة «لويجي بيرريتيري»، ورئيسة ديوان الوزارة «جوزي بارتولوتشي» – التي تُعَدُّ من أبرز المقربين إلى الوزير «كارلو نورديو» وأكثرهم نفوذًا، حيث رسَّخت لنفسها موقِعًا قويًا وغير معتاد في هرم الوزارة خلال السنوات الأخيرة.


ومن المرجَّح أن يكون «نورديو» قد قصد هذه الشبكة من التبادلات حين أشار في مداخلته البرلمانية إلى "اتِّصالات غير رسمية تمامًا". ومِمَّا لا شك فيه أنَّ أجهزة الاستخبارات الإيطالية كانت، بدورها، على علم بتطوُّرات القضية في صباح يوم الإثنين 20 يناير.

في ذلك التوقيت، تحديدًا مع اقتراب موعد الغداء، بدأ نقاش داخلي سريع بين المسؤولين المعنيين داخل وزارة العدل. وخلال هذا النقاش، طُرِحت مسألة إجرائية بدت حينها وكأنَّها تُمثِّل خللًا في تعامل المحكمة الجنائية الدولية، وتحديدًا كونها أصدرت مذكرة التوقيف بحق «المصري» من دون أن تُخطر الوزارة مسبقًا، كما تنصُّ عليه التشريعات الإيطالية، وكما يُفترَض أن يتم في مثل هذه الحالات الحساسة.


وقد اعتُبر هذا الخلل الإجرائي "عيبًا شكليا" استخدمه «نورديو» لاحقاً كمبرر لقراره بعدم تنفيذ طلب المحكمة الجنائية الدولية. وخلال ذلك الحوار غير الرَّسمي – الذي جرى في معظمه عبر البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية – برز تباين في وجهات النظر بين مسؤولي الوزارة بشأن مدى خطورة هذا الخلل، ما دفع إلى تأجيل اتِّخاذ أي قرار رسمي حتّى صباح اليوم التَّالي.


مراسلات داخلية تُفجّر جدلاً سياسياً: رسائل إلكترونية تكشف تحذيرات وتحفّظات وتوجهاً لإخفاء التواصل الرسمي

في تلك المرحلة، بدأ تبادل رسائل إلكترونية داخل وزارة العدل أصبح في الأيام الأخيرة محور جدل سياسي محتدم. ففي الساعة 14:35 من يوم الأحد، وجّه «لويجي بيرّيتيري»، رئيس إدارة شؤون العدالة، رسالة إلى عدد من المسؤولين رفيعي المستوى، واضعاً رئيسة ديوان الوزير، «جوزي بارتولوتشي»، في نسخّة منها.

وجاء في رسالته: «أتفق على تقييم مبدئي (مع ضرورة إجراء مزيد من التحليل) بخصوص عدم انتظام الإجراء، خاصة في ظل غياب إشراك وزارة العدل – بصفتها الجهة المركزية المختصة – حتى هذه اللحظة. سنجري تقييماتنا غدًا بناءً على الوثائق التي قد يتم إرسالها إلينا».إلا أن بيرريتيري مضى في رسالته محذِّرًا من أن طلب المحكمة الجنائية الدولية قد يتطلَّب من الوزارة اتِّخاذ «إجراءات عاجلة». وأشار بوضوح إلى أنِّ تلك الإجراءات تتجاوز صلاحياته الحالية، قائلاً: «لا نملك تفويضًا للقيام بذلك، كما سبق لي أن أشرت لرئيسة الديوان في اتصالات سابقة. وقد تنشأ بالتالي ضرورة لاتِّخاذ قرارات عاجلة موقعة من معالي الوزير شخصياً».

بكلمات أخرى، كان «بيرّيتيري» يُنبه قياداته إلى احتمال الاضطرار لاتخاذ خطوات حساسة تتجاوز النطاق الإداري المعتاد، وتستلزم تدخلاً مباشرًا من وزير العدل، «كارلو نورديو». وتكراره لهذا التنبيه – في رسالة موجَّهة لعدَّة مسؤولين – يبدو وكأنَّه محاولة لتوثيق موقفه والتحذير بشكل رسمي، خصوصًا أنَّه أكد أنه سبق أن أثار هذه النُّقطة مع رئيسة الديوان في مناسبات سابقة.


بعد أقل من ساعة، عند الساعة 15:28، جاء رد «بارتولوتشي»، رئيسة ديوان الوزير: «كنتُ على علم. التحفظ التام والحذر مطلوبان حتى في تمرير المعلومات. الأفضل استخدام تطبيق Signal للدردشة. لا شيء عبر البريد الإلكتروني أو القنوات الرسمية».


اقتراح بارتولوتسي باستخدام تطبيق التراسل المشفّر "Signal"، الشهير بدرجة أمانه العالية وصعوبة اختراقه، أثار العديد من التساؤلات. فقد دعت إلى تجنّب كلي لأي تواصل عبر البريد الإلكتروني أو الأنظمة الإدارية الرسمية، من دون أن توضح الأسباب.


بارتولوتسي كانت على علم منذ البداية... والوزير لم يوقّع: تفاصيل جديدة تكشف من اتخذ القرار بشأن المصري

ما بات مؤكداً هو أن «جوزي بارتولوتشي»، رئيسة ديوان وزير العدل، كانت على علم بما حدث منذ ظهر يوم الأحد، وأن معرفتها بالأمر لم تقتصر، كما زعم الوزير «كارلو نورديو» في البرلمان، على بضع سطور وردت في رسالة بريد إلكتروني. ما لا يزال غير واضح هو ما إذا كان الوزير نفسه قد أُبلغ حينها. فبحسب الأعراف الإدارية، يُفترض برئيسة الديوان أن تنقل فورا أي معلومة حساسة إلى الوزير. إلا أن تقارير متكرِّرة من داخل الوزارة خلال العامين الأخيرين تشير إلى تُذمِّر العديد من المسؤولين من النفوذ المفرط والاستقلالية الواسعة التي تتمتع بها «بارتولوتشي».


ويُذكر أن «لويجي بيرّيتيري»، رئيس إدارة شؤون العدالة، قد استقال في يونيو الماضي احتجاجاً على هذه الوضعية، التي وصفها بعض العاملين بالوزارة بـ"الشاذة"، مشيرين إلى أنَّ قضية المصري كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، بعدما تكرَّرت الحالات التي فوّض فيها الوزير مسؤوليات محورية إلى «بارتولوتشي».


منذ صباح الإثنين 20 يناير، عُقدت عدَّة اجتماعات داخل الوزارة، شارك فيها مسؤولون بارزون لتقييم التطورات. ووفق ما قاله «نورديو» لاحقًا في البرلمان، فإن المدعي العام في روما، «جيمي أماتو»، أرسل إلى الوزارة عند الساعة 12:40 جميع الوثائق المرتبطة بالقضية، مرفقة برسالة قال فيها: «الوزير، الذي أُبلغ بهذه القضية صباح يوم 20 يناير فور استلامنا الملف من شرطة "تورينو"، لم يرسل حتى الآن أي رد أو توجيه بهذا الشأن».


وهنا تعود إلى الواجهة "الغرابة" الجوهرية التي اتَّسم بها تعامل الحكومة مع الملف: فوزير العدل كان يستطيع، لو أراد، أن يُصحِّح العيب الإجرائي في مذكرة المحكمة الجنائية الدولية ببساطة، لكنه لم يفعل.


في الواقع، تحرَّكت مؤسَّسات الوزارة بالفعل لتدارك الموقف. ففي تمام الساعة 13:57 من ذلك الإثنين، أرسلت السفارة الإيطالية في لاهاي – عبر القاضي «سوتيرا ساردو» – طلب توقيف رسمي من المحكمة الجنائية الدولية، في خطوة هدفت بوضوح إلى تصحيح المسار واستيفاء الشروط القانونية لتأكيد احتجاز «المصري».


وفي التوقيت نفسه تقريبًا، قام موظفو إدارة شؤون العدالة، التي كان لا يزال «بيرّيتيري» يُشرف عليها، بإعداد قرار رسمي لتثبيت التوقيف، وهو أحد "الإجراءات العاجلة" التي سبق أن أشار إليها «بيرّيتيري» في مراسلاته يوم الأحد.

لكن ذلك القرار، لكي يُصبح نافذا، كان يتطلب توقيع وزير العدل «كارلو نورديو».

توقيع لم يأتِ قط.

وبعد مرور يومين على توقيفه، وفي تمام الساعة الثامنة من مساء الثلاثاء 21 يناير، صعد «أسامة نجيم المصري» على متن طائرة "فالكون 900" المخصَّصة لأجهزة الاستخبارات الإيطالية، ليعود إلى طرابلس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان اسفل المشاركات

كن على أتصال

أكثر من 600,000+ متابع على مواقع التواصل الإجتماعي كن على إطلاع دائم معهم

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

جرائم قتل النساء في إيطاليا