في العاصمة "صوفيا"، خرجت مظاهرات رافضة لخطة الانضمام إلى "منطقة اليورو"، كان أبرزها تلك التي نظمت في 28 يونيو 2025. وأظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة أنَّ غالبية البلغار يعارضون تبني اليورو، رغم أن الدولة التزمت رسميًا بالانضمام إليه اعتبارًا من عام 2026، حيث سيحلُّ محلَّ العملة الوطنية "ليف" (Lev).
في بلغاريا، يتمتع جزء كبير من السكان بارتباط عاطفي عميق بعملة "ليف" الوطنية، لأسباب تاريخية بالدرجة الأولى. وذكرت وكالة "بلومبيرغ" أن "الليف" أصبح بمرور الوقت – ولا سيما بعد الأزمة الاقتصادية الحادة التي شهدتها البلاد في أواخر تسعينيات القرن الماضي – «رمزًا للاستقرار» المالي. وقد حدثَ ربط قيمته أولًا بِـ "المارك" الألماني، ثم بِـ "اليورو" وفقًا لسعر صرف ثابت، بخلاف عملات أخرى في شرق أوروبا خضعت لتقلُّبات شديدة. وتزايد هذا الشعور بالثبات المالي في ظل حالة عدم الاستقرار السياسي، إذ شهدت البلاد سبعة انتخابات برلمانية خلال أربعة أعوام، وتَغيَّر خلالها سبعة رؤساء للوزراء.
وفي هذا السياق، كثفت أحزاب اليمين المتطرف حملاتها المناهضة لليورو، ووصفت اعتماده بأنه "تفريط في السيادة الوطنية"، رغم أن بلغاريا، بسبب ارتباط عملتها فعليًا باليورو، كانت تخضع فعليًا لسياسات البنك المركزي الأوروبي منذ سنوات.
برز حزب "النهضة" (Vazrazhdane) اليميني المتطرف كأحد أبرز الفاعلين في هذا الحراك، وقد نظم سلسلة احتجاجات على مدار العام، شهدت بعضها أعمال عنف، أبرزها في فبراير الماضي حين تم تخريب مكتب المفوضية الأوروبية في "صوفيا". وعلى الرغم من تضخيم الحزب لأعداد المشاركين في المظاهرات، فإن الاحتجاجات تواصلت، وامتدت إلى أكثر من مئة مدينة مع اقتراب موعد اعتماد اليورو رسميًا.
The Bulgarian neighborsare setting fire to the EU representation in Sofia. pic.twitter.com/HRu9iDpQaA
يروج الحزب لسردية تزعم أن اعتماد العملة الأوروبية سيتسبب بانهيار البنوك والشركات، كما سيؤدي إلى ارتفاع التضخم بشكل كارثي، خاصة بالنسبة للفئات الأشد فقرًا في البلد الذي يُعد من بين الأفقر داخل الاتحاد الأوروبي. واستشهد "النهضة" بحالة كرواتيا، آخر الدول التي اعتمدت اليورو في عام 2023، عبر فيديو دعائي انتشر على نطاق واسع عبر وسائل التواصل. ومع أن كرواتيا تسجل حاليًا أعلى معدلات التضخم في منطقة اليورو، إلا أن ذلك يعود لعوامل اقتصادية داخلية، وليس لاعتماد العملة الأوروبية.
ورغم الحضور الإعلامي الكبير للحزب، محليًا ودوليًا، فإنه لا يزال حزبًا أقلويًا، إذ يشغل 33 مقعدًا من أصل 240 في البرلمان البلغاري، وتتراوح نسبة تأييده بين 13 و14 بالمئة، مما يجعله في المرتبة الثالثة ومرشحًا للمنافسة على المركز الثاني.
وحظي الحزب بدعم غير مباشر من الرئيس البلغاري رومين راديف، المستقل المقرّب من روسيا، والذي يتمتع بشعبية كبيرة رغم أنه لا يستطيع الترشح لولاية ثالثة في 2026. وقد عبّر راديف عن دعمه للاحتجاجات، ودعا إلى إجراء استفتاء بشأن الإبقاء على العملة الوطنية. لكن المحكمة الدستورية رفضت هذا الاقتراح، مشيرة إلى أنه يتعارض مع التزامات بلغاريا بموجب معاهدات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
ويُذكر أن المحكمة رفضت سابقًا طلبًا مماثلًا من حزب "النهضة" رغم جمعه ما يقارب نصف مليون توقيع، وهو رقم كبير بالنظر إلى أن عدد سكان بلغاريا يبلغ حوالي 6.5 مليون نسمة.
أما الحكومة الحالية، برئاسة روزين جيليازكوف، فتتألف من تحالف ثلاثي يشمل حزب "المواطنون من أجل التنمية الأوروبية لبلغاريا" (يمين وسط)، الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء، وحزب "يوجد مثل هذا الشعب" (شعبوي)، والحزب الاشتراكي البلغاري (يسار وسط)، المقرب من الرئيس راديف. ومع أن الحكومة أعلنت في السابق أن اعتماد اليورو أولوية وطنية، فإنها تتعامل مع الموضوع بحذر خشية فقدان الدعم الشعبي.
ولم تكن مواقف هذه الأحزاب موحدة؛ فقد اقترح حزب "يوجد مثل هذا الشعب" العام الماضي تأجيل الانضمام إلى منطقة اليورو حتى عام 2043، فيما يتبنى الحزب الاشتراكي، بصفته وريثًا للحزب الشيوعي السابق، مواقف تقليدية مشككة في جدوى المشروع الأوروبي.
ومع اقتراب موعد التنفيذ، سيُطلب من المتاجر في بلغاريا اعتبارًا من أغسطس 2025 عرض الأسعار بالعملتين، على أن تُستبدل العملة الوطنية بالكامل باليورو خلال النصف الأول من عام 2026.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق