أحد الجنود المشاركين في العمليات العسكرية شَبَّه الوضع الحالي في قطاع غزة بـ"معسكر إبادة"، في إشارة إلى حجم العنف المستخدَم ضد المدنيين. ومنذ بدء عمل مراكز توزيع المساعدات التابعة لمؤسَّسة "غزة هيوما نيتاريان فاونديشن" (GHF) في 27 مايو الماضي، قَتَل الجيش الإسرائيلي أكثر من 500 شخص كانوا في انتظار المساعدات، وأصاب ما يزيد عن 4000 أخرين، بحسب الصحيفة.
ووفقًا للتحقيق، فإنَّ قوات الاحتلال تطلق النار على الفلسطينيين الذين يصلون إلى مراكز المساعدات قبل موعد افتتاحها، أو بعد إغلاقها، تحت ذريعة "ضبط النظام"، باستخدام أسلحة متعدِّدة تشمل البنادق، المدافع الرشَّاشة، مدافع الهاون، دبابات القتال، القنابل، والقناصة. وأكَّد أحد الجنود أن إطلاق النار يتم حتَّى عندما لا يكون هناك أي تهديد: "نطلق النار في الصباح الباكر على كل من يقترب من الطوابير، وأحيانًا من مسافات قريبة، رغم أنه لا يوجد أي خطر، ولا أعداء، ولا أسلحة في الجهة المقابلة"، على حد تعبيره.
وتشير الشهادات إلى أنَّ مراكز المساعدات الأربعة، التي يديرها طاقم فلسطيني وأمريكي وتخضع لحراسة مشدَّدة من الجيش الإسرائيلي، تقع ضمن "منطقة أمان" يمتد نطاقها لعدة مئات من الأمتار وتُحاط بدبَّابات وقناصة ومدافع هاون. تفتح هذه المراكز عادةً لساعة واحدة فقط يوميًا في ساعات الصباح، لكن توقيت فتحها يتغيَّر باستمرار من دون إشعار مسبق للمدنيين، ما يؤدّي إلى توافدهم في أوقات خاطئة. وأكَّد ضابط في الجيش: "نصدر تعليمات للمدنيين، لكنَّنا إمَّا لا نلتزم بها أو نُغيِّرها من دون سابق إنذار".
التحقيق أفاد بأنَّ إطلاق النار على المدنيين بات ممارسة راسخة لدرجة أنَّ الجنود باتوا يطلقون عليها إسم "عملية السمك المملَّح"، في إشارة ساخرة إلى لعبة أطفال تُعرف في العبرية. وأكَّد عدد من الجنود والضباط أن هذه الممارسات تحظى بدعم قيادات ميدانية، بينهم «اللواء يهودا فاخ»، الذي قيل إنه أصدر أوامر مباشرة بإطلاق النار على المدنيين لتفريق الحشود، بحسب ما نقلت الصحيفة عن أحد الضباط في شمال القطاع. وأوضح مصدر عسكري أنَّ "هناك أيديولوجيا واضحة ينقلها القادة للجنود باعتبارها جزءًا من خطة العمليات".
وقد وثَّقت "هآرتس" ما لا يقل عن 19 حادثة إطلاق نار في محيط مراكز توزيع المساعدات خلال الشهر الأول من عملها. وبينما يصعب تحميل جميعها للجيش الإسرائيلي بشكل مباشر، فإن سيطرته الكاملة على المناطق المحيطة تجعل من الصعب اتِّهام أطراف أخرى، باستثناء بعض المليشيات المحلية المتعاونة معه، بحسب التحقيق. وذُكر أنَّ ميليشيا يقودها «ياسر أبو شباب»، وهي ضمن فرق الإشراف في بعض المراكز، شاركت في عمليات إطلاق النار، وسط تقارير عن دعم مستمر من الجيش الإسرائيلي لتلك المجموعات.
وإلى جانب العامل العسكري، أشار التحقيق إلى وجود دافع اقتصادي في ما وصفه بمخطَّطات هدم منازل الفلسطينيين مقابل مكافآت مالية. ووفقًا لأحد المحاربين القدامى، تتقاضى شركات مقاولات إسرائيلية نحو 5,000 شيكل (ما يعادل 1,250 يورو) عن كل منزل يحدثُ تدميره. وأضاف: "تلك الشركات تعمل بحُرِّية على طول خط المواجهة، وحتّى بالقرب من مراكز المساعدات، ما يؤدّي إلى اشتباكات ووقوع قتلى، رغم أن تلك المناطق مصنفة على أنَّها آمنة للفلسطينيين". واختتم حديثه قائلاً: "في نظرهم، لا مانع من قتل أشخاص يبحثون فقط عن الطعام من أجل الحصول على خمسة آلاف شيكل".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق