ورغم الإسم اللَّامع، فإنَّ خلف هذا المشروع الضخم، الذي تبلغ قيمته تريليونات الدولارات، تختبئ حسابات دقيقة تُخفي ملامحها بين وعود خفض الضرائب، وتقليص برامج الرعاية، وزيادة الإنفاق الدفاعي. إنَّها وصفة كلاسيكية، لكن بنكهة «ترامب»: جاذبة للجماهير، مثيرة للجدل، ومُثقَلة بالعواقب طويلة المدى.
صفقة غير متوازنة
من الناحية الاقتصادية، لا يبدو أنَّ مشروع القانون يُوفِّر حلولًا عادلة أو متوازنة. فبينما يُمنَح الأغنياء تخفيضات ضريبية جديدة، يُجرَّد ملايين الأميركيين من تغطيتهم الصحية، وتُقلَّص مزايا الرعاية الاجتماعية مثل Medicaid و SNAP، في ظل غياب أي ضمانات لتعويض الفاقد الاجتماعي. تشير تقديرات مكتب الميزانية في "الكونغرس" إلى أن العجز الفيدرالي قد يتضخَّم بمقدار 3.3 تريليون دولار خلال السنوات العشر القادمة نتيجة هذه الحزمة وحدها.
وبدل أن يُقابل هذا التوسُّع الهائل في الإنفاق بإصلاحات ضريبية عادلة أو تحفيزات إنتاجية مستدامة، يبدو أنَّ الهدف الرَّئيس هو تحقيق نصر سياسي لرئيس يتهيَّأ لخوض انتخابات جديدة، ويحرص على إظهار حزبه بمظهر الفاعل القوي والموحد – ولو كان الثمن تقويض الأُسُس الاقتصادية التي يقوم عليها التوازن الفيدرالي.
ضغط «ترامب»... ونهج “القوة الناعمة” العنيفة
الطريقة التي حدثَ بها تمرير التصويت التمهيدي كانت، في حدِّ ذاتها، رسالة سياسية. فالجلسة الأطول في تاريخ مجلس النواب – والتي استمرَّت أكثر من سبع ساعات – لم تكن مجرَّد نتيجة لخلافات تقنية، بل تجلٍ لصراع داخلي في الحزب الجمهوري. تردَّد خمسة نواب، وامتنع ثمانية أخرون، إلى أن تدخّّل «ترامب» شخصيًا عبر وسائل التواصل والمكالمات الهاتفية، ليُحذِّر من أنَّ "MAGA غير راضية". وكان هذا كافيًا لانضواء المتمرِّدين تحت لواء القيادة الحزبية.
هذا النَّهج القائم على الضغط الإعلامي والسياسي ليس بجديد، لكنه في هذا السياق يعكس سطوة الزعيم داخل حزب لم يعد يحتمل انقسامًا عشية استحقاقات مصيرية.
حملة بلا سياسة، وأجندة بلا رؤية
ليس من المبالغة القول إنَّ مشروع القانون يفتقر إلى رؤية اقتصادية متماسكة. هو أشبه بخريطة سياسية أُعِدَّت لحشد القاعدة الانتخابية، أكثر منه وثيقة إصلاح حقيقي. لم يُطرَح للنقاش كيف ستؤثِّر التخفيضات الضريبية على تضخُّم الأجور، أو على الاستثمار في القطاعات الخضراء، أو حتَّى على استقرار الدولار في ظل التوتُّرات العالمية.
بل إنَّ غياب الشفافية – واعتماد سرعة التصويت وسحب المداولات – يكشف عن رغبة في "العبور السريع"، وتفادي أي نقاش قد يُظهِر هشاشة هذا البناء التشريعي.
نهاية مفتوحة
حتَّى الآن، يبدو أن القانون سيمرُّ في مجلس النواب بفضل الأغلبية الجمهورية، لكن الطريق في مجلس الشيوخ سيكون أكثر وعورة. فبعض الجمهوريين المعتدلين، إضافة إلى الجبهة الديمقراطية الموحَّدة، قد يُعيدون خلط الأوراق.
لكن ما هو واضح بالفعل هو أن هذا القانون، بصيغته الحالية، يُعبِّر عن لحظة سياسية أميركية تتقاطع فيها الحزبية الشديدة مع الانقسام الاقتصادي العميق، في ظل زعامة تُتقِن فن التسويق أكثر من إدارة النتائج.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق