لعدَّة أشهر، تحتدم أعنف المعارك في شرق أوكرانيا حول مدينة "بوكروفسك"، حيث تسعى القوات الروسية للسيطرة عليها. وفي نهاية يوليو، وبعد مقاومة طويلة من القوات الأوكرانية، تمكَّنت وحدات استطلاع روسية من التوغُّل في أطراف المدينة، قبل أن يحدث صدُّها لاحقًا.
وأكد رئيس الأركان الأوكراني، الجنرال «أولكسندر سيرسكي»، في مطلع أغسطس، على أنَّ محور "بوكروفسك" يشكِّل حاليًا نقطة الضعف الأكبر في خطوط الدفاع الأوكرانية. وإلى جانب مدن مجاورة، تُعتبر "بوكروفسك" حاليًا خط الدفاع الرئيسي في تلك الجبهة الشرقية. ويخشى المراقبون من أن يؤدِّي سقوط المدينة إلى انهيار واسع في المنطقة وتقدُّم ملحوظ للقوات الروسية.
موقع استراتيجي حاسم
تبرز أهمية "بوكروفسك" لكونها آخر مدينة أوكرانية كبيرة تقع على الطريق السَّريع الذي يربط الجبهة الشرقية بمدينة "دْنيبرو" مرورًا بِـ "باڤلوهراد". وإذا تمكَّنت روسيا من السيطرة عليها، فستُزال عقبة رئيسية أمام سعيها للسيطرة الكاملة على منطقة "دونييتسك"، التي لا تزال تطالب بها رغم عدم بسط سيطرتها الكاملة عليها حتى الآن.
ويُعتبر هذا الطريق شريان الإمداد الوحيد المتبقّي للجيش الأوكراني في المنطقة، حيث تمرُّ عبره المعدّات والذخائر نحو الجبهة. ومع اشتداد الضربات الروسية، أصبحت حركة المرور عبره محفوفة بالمخاطر. إذ تُجبر المركبات والشاحنات التي تقترب من "بوكروفسك" على الانطلاق بأقصى سرعة من دون توقُّف، تفاديًا لاستهدافها بالطائرات المسيَّرة الروسية.
قبل الحرب، كان عدد سكان "بوكروفسك" يناهز 60 ألف نسمة، وكانت تُعتبَر مركزًا مهمًّا لصناعة التعدين. أما اليوم، ووفقًا لحاكم الإقليم «فاديم فيلاشكين»، فلم يتبقَّ في المدينة سوى نحو 1,380 شخصًا، إلى جانب 2,700 في المناطق المجاورة، بعد عمليات إجلاء جماعية خلال الأشهر الماضية. وقد لحقت بالمدينة أضرار جسيمة جراء القتال.
تكتيك التطويق والإنهاك
تحاول القوات الروسية منذ صيف 2024 السيطرة على "بوكروفسك" عبر أسلوبها المعتاد: تطويق المدينة وقطع طرق الإمداد، ما يجبر القوات الأوكرانية على الانسحاب. وتكبَّد الروس خسائر بشرية فادحة في هذه العمليات، حيث تُواجه وحداتهم الهجومية مقاومة شرسة من الدفاعات الأوكرانية. ومع ذلك، فإنَّ التفوُّق العددي يتيح لهم التقدُّم البطيء ولكن الثابت على الأرض.
مدن أخرى على خط النار
ولا تقتصر المخاطر على "بوكروفسك" فقط. إذ تُواجه مدن أوكرانية أخرى في الشرق مصيرًا مشابهًا. ففي الشمال، باتت القوات الروسية قريبة من تطويق مدينة "كوستيانتينيفكا"، بينما دخلت بالفعل أطراف مدينة "تشاسيف يار". وإذا ما تمكَّن الجيش الروسي من إحكام السيطرة على هذه المناطق، فقد يصبح الطريق مفتوحًا أمامه نحو مدينتي "كراماتورسك" و "سلوفيانسك"، آخر المراكز الحضرية الكبيرة في "دونيتسك" التي لا تزال تحت سيطرة أوكرانيا. وكانت "كراماتورسك" تؤوي نحو 150 ألف نسمة قبل الحرب، و "سلوفيانسك" نحو 100 ألف.
ضغوط دولية ومساعٍ للتهدئة
تأتي هذه التطوُّرات في وقت تحاول فيه الولايات المتحدة دفع الجانبين نحو وقفٍ لإطلاق النار. وكان الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» قد أعلن في يوليو أن روسيا أمامها 50 يومًا لقبول وقف إطلاق النار، وإلّا فستُفرَض عليها عقوبات جديدة. لكنَّه عاد في الأسبوع الماضي وخفَّض المهلة إلى "10–12 يومًا"، على أن تنتهي بحلول يوم الجمعة المقبل.
وقد اعتُبرت هذه الخطوة من قبل مراقبين إشارة إلى إدراك واشنطن بتدهور الوضع الميداني لصالح روسيا، واحتمال تحسُّن موقفها العسكري بشكل ملحوظ في المستقبل القريب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق