سوق متنامية
يختلف النهج المتَّبَع اتِّجاه تأجير الأرحام بشكل كبير حسب السياق: ففي حين أن بعض البلدان (بينها إيطاليا) تُجرِّم هذه الممارسة إطلاقًا، فإنَّ بلدانًا أخرى تقبلها سواء كانت تجارية (تتلقَّى مستأجِرة الرَّحم تعويضًا يتجاوز سداد النفقات الطبية) أو غير أنانية (تحدث الممارسة مجَّانًا، مع ضمان سداد النفقات الطبية للحامل فقط). على أي حال، تشير المقرِّرة «ريم السالم» إلى أنَّ الطلب على تأجير الأرحام في العالم في تزايد مستمر بسبب زيادة عدد الأزواج العقيمين أو الذين يختارون، لأسباب شخصية، عدم إكمال الحمل والأزواج مثليي الجنس. كما أنَّ التغطية الإعلامية المتزايدة تجعل المزيد من النساء على علم بهذه الممارسة. إنَّها سوق مزدهرة للغاية، ومن المتوقع أن ترتفع قيمتها من 15 مليون دولار حاليًا إلى ما يقرب من 100 مليون دولار بحلول عام 2033. ومع ذلك، في السياقات التي تحدث فيها هذه الممارسة مقابل أجر، غالبًا ما تكون الحدود التي تنظِّمها غير واضحة، مما يفسح المجال لسلسلة طويلة من العنف الذي يمسُّ في المقام الأول الحامل، ولكن أيضًا الأزواج المكلَّفين والأطفال أنفسهم. الديناميكية هي نفسها تقريبًا في جميع الحالات: أزواج أثرياء يبحثون عن أمَّهات بديلات في بلدان تسمح بهذه الممارسة - معظمها مناطق في العالم تعاني من ظروف اقتصادية صعبة.
ما يجعل هذه الممارسة مشكلة هو، أوَّلًا وقبل كل شيء، قلَّة الدراسات حول آثار التبنِّي من بطن أم أخرى على الأطراف المعنية. فمن ناحية، يحدث التقليل من أهمِّية العبء الاجتماعي للعقم على الأمهات المطلوبات، اللَّواتي غالبًا ما يتعرَّضن لضغوط خارجية فيما يتعلَّق بأداء ما يُنظر إليه على أنه دورهن الاجتماعي الأساسي (أي أن يصبحن أمَّهات)، فمن ناحية أخرى، لم يتم التحقيق بشكل كافٍ في عواقب الانفصال المبكِّر عن الأم الحامل على الجنين، وهو عامل قد يكون له تأثير على نموه في المستقبل. وفقًا للتقرير، تظهر الدراسات المتاحة أن الأطفال الذين يتم إنجابهم عن طريق تأجير الأرحام غالبًا ما يولدون قبل الأوان وبوزن أقل من المتوسِّط، بالإضافة إلى أنَّهم أكثر عرضة لخطر الإصابة بعيوب خلقية.
أشكال متعددة من العنف
لكن الأمهات البديلات هن اللواتي يتحمَّلن العواقب الأكثر خطورة من التبنِّي مقابل أجر. العنف هو، في المقام الأول، اقتصادي: وفقًا للتقرير، فإن الوسطاء هم الذين يكسبون المبلغ الأكبر من الصفقة، في حين أن الأمهات البديلات (غالبًا ما يكونَنَّ شابات أو صغيرات السِّن، أنجبن طفلًا بالفعل ويجدن أنفسهن في ظروف اقتصادية صعبة) يحصلن على مبلغ يتراوح بين 10٪ و 27.5٪ من المبلغ الإجمالي الذي يدفعه الوالدان. كما لا يتم إطلاع الأمَّهات بشكل كافٍ على الألم الذي تُسبِّبه الحقن اليومية بالهرمونات، والمضاعفات المرتبطة بالتخدير، والتعقيدات العاطفية للتخلِّي عن طفل بيولوجي، فضلًا عن المخاطر الصحية الناجمة عن تناول عدد كبير من الأدوية التي تسمح بنجاح عملية الإخصاب. كما أفادت العديد من الأمَّهات البديلات بأنهن لم يتلقِّين رعاية طبية كافية بعد التبرُّع. ويحدث هذا بشكل خاص في البلدان الفقيرة مثل "نيبال" أو "الهند"، حيث يحدثُ إجراء العمليات القيصرية من دون مراعاة الصعوبات التي قد تواجهها النساء بعد العملية، خاصة الفقيرات المقيمات في المناطق الريفية. وتتضاعف المخاطر عندما تأتي النساء من بلدان لا توجد فيها لوائح تنظم تأجير الأرحام، مما يجعل اللُّجوء إلى الممارسات السرِّية التي تعرِّض حياة الحوامل للخطر أكثر شيوعًا.
«في اتفاقيات التجارة في مجال تأجير الأرحام – تكتب المقرِّرة – يتم إعطاء قيمة مالية لقدرة النساء على الحمل والولادة بأطفال أصحَّاء، مما يُعزِّز الاختلالات الضارة في ميزان القوى حيث يمارس الأشخاص والكيانات الأكثر ثراءً السيطرة على قدرة النساء على الحمل والولادة». وفي هذا السياق، يحدثُ أيضًا الترويج لغة غير إنسانية اتِّجاه الأم، التي تصبح «محضنة» أو «رحم مستأجر» أو «حاضنة تنمي الخلايا».
لكل هذه الأسباب، تكتب المقرِّرة، فإن تأجير الأرحام يجب أن يُعتبر ممارسة استغلالية وعنفية ضد النساء والأطفال، «تُجسِّد جسد المرأة وتُعرّض الأمهات البديلات والأطفال لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان». ولهذا السبب، توصي الحكومات بحظر هذه الممارسة على الصعيد العالمي واتِّخاذ جميع التدابير اللَّازمة لمنع اللجوء إليها. يضرب التقرير مثال إيطاليا، التي أعلنت العام الماضي أن تأجير الأرحام ”جريمة عالمية“، بهدف تجريم اللُّجوء إلى هذه الممارسة حتى في الخارج - وهو قانون يعتبره العديد من القانونيين غامضًا وغير دقيق من الناحية الفنية.
مشاكل غياب التنظيم
مع ذلك، يتَّضح من التقرير أنَّ المشكلة الأساسية هي غياب تنظيم واضح ومحدَّد يحمي النساء بشكل مناسب. إن حقيقة أنَّ تأجير الأرحام يشكل سوقًا متنامية والفرص الاقتصادية التي تنجم عنه تشير إلى أنَّ النساء يلجأن إليه بشكل متزايد، بغض النظر عن شرعية هذه الممارسة من عدمها. وبغض النظر عن الأحكام القيمية، فإن تسخير الجسد لأغراض مالية هو ممارسة شائعة منذ زمن طويل في النظام الاقتصادي الرأسمالي الحالي – يكفي أن نفكر في العمل في مجال الجنس: حيثما تم تنظيمه، قلَّل بشكل كبير من خطر استغلال النساء. علاوة على ذلك، فإن الحديث عن ”تسليع جسد المرأة“ يبعد فكرة أنَّ الأمر يتعلَّق باختيار حر للمرأة. كما ثبت في العديد من المجالات الأخرى (مثل الدعارة، ولكن أيضًا تعاطي المخدرات أو الإجهاض)، لم تثبت تجريم هذه الممارسات أبدًا أنه خيار ناجح في حل المشكلة. ويثبت ذلك حقيقة أن النساء، كما ورد في تقرير الأمم المتحدة نفسه، يحاولن الوصول إلى هذه الخدمة حتى في البلدان التي تعتبر فيها هذه الممارسة غير قانونية، مما يعرِّضهن لمخاطر أكبر على صحتهن لأنهن لا يتمتعن بالحماية الكافية.
وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن هذه الممارسة مسموح بها في العديد من البلدان - كندا والدنمارك وهولندا و بريطانيا و الهند و المجر و قبرص و إسرائيل و أستراليا، بالإضافة إلى عدة ولايات أمريكية - على أساس غير ربحي فقط، أي من دون دفع أي تعويض للمرأة الحامل (باستثناء سداد النفقات الطبية). يبدو من التناقض، في هذه الحالة، تطبيق مفاهيم الإكراه وتسليع جسد المرأة، بما أن هذه الممارسة لا تهدف إلى تحقيق أي مكاسب اقتصادية.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق