الإيطالية نيوز، الجمعة 24 أكتوبر 2025 – في تَطوُّر مفاجئ لملف العلاقات المتوتِّرة للغاية بين الجزائر والمغرب، أعلن «استيف ويتكوف» (Steve Witkoff)، مبعوث الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، عن أنَّ واشنطن تعمل على إبرام اتِّفاق سلام شامل بين البلدين خلال 60 يومًا. 
ورغم أن التصريح جاء مقتضَبًا ومجرَّدًا من التفاصيل، إلَّا أنَّه أثار موجة واسعة من التفاؤل، بعد أكثر من ستَّة عقود من القطيعة السياسية وإغلاق الحدود في وجه الشعبين الشقيقين اللذين تربطهما أواصر الرَّحم.
ضوء في نهاية النفق
منذ عام 1994، والحدود البرية بين المغرب والجزائر مُغلَقة، والعلاقات الدبلوماسية شبه مجمَّدة. وقد أدَّت الخلافات المزمنة حول ملف الصحراء الغربية إلى تكريس حالة من التوتُّر المستمرّ بين البلدين، رغم الروابط التاريخية والثقافية والدينية العميقة التي تجمع الشعبين.
اليوم، يأتي تصريح «ويتكوف» ليضع الملف في دائرة الاهتمام الدولي مجدَّدًا، وليفتح نافذة أمل في إمكانية تجاوز هذه الأزمة الطويلة.
الولايات المتَّحدة، التي اعترفت رسميًا عام 2020 بسيادة المغرب على الصحراء في عهد إدارة «ترامب»، لا تزال واشنطن تُظهر دعمها لمقترح الحكم الذاتي كحلّ واقعي للنزاع. وبالنظر إلى طبيعة العلاقات الأمريكية-المغربية القوية، يمكن قراءة هذا التحرُّك كجزء من رؤية أمريكية لتصفية الملفَّات الإقليمية العالقة، خصوصًا في شمال إفريقيا، في ظلّ التنافس الدولي المتزايد هناك.
عقبات أمام المصالحة
رغم الحماس الشعبي والإعلامي الذي رافق الخبر، فإنَّ طريق المصالحة لا يزال طويلًا ومعقَّدًا. فمن جهة، لا يمكن تجاوز قضية الصحراء الغربية، التي تُمثِّل محور الخلاف الجوهري بين البلدين، من دون تفاهم سياسي واضح ومتوازن. ومن جهة أخرى، ما يُعرَف في الخطاب السياسي بـ"الدولة العميقة" داخل الجزائر، لا تبدو مستعدَّة لتغيير موقفها جذريًا في المدى القريب، نظرًا لارتباط هذا الموقف بعقيدة سياسية وأمنية متجذِّرة منذ الاستقلال.
كذلك، فإنَّ إعادة فتح الحدود وتطبيع العلاقات الاقتصادية والتجارية يتطلَّب مفاوضات فنِّية معقَّدة تشمل ملفات الأمن، والهجرة، والتهريب، والتعاون الاقتصادي. وهي كلُّها ملفَّات تحتاج وقتًا وإرادة سياسية صلبة من الجانبين.
ما وراء المهلة الزمنية
المهلة التي تَحدَّث عنها المبعوث الأمريكي – ستون (60) يومًا فقط – قد تبدو طموحة أكثر ممَّا ينبغي. فمن الناحية الواقعية، من المستبعَد أن تؤدِّي الوساطة إلى اتِّفاق شامل خلال فترة قصيرة كهذه. لكنَّها في الوقت ذاته قد تكون خطوة تمهيدية للإعلان عن خطة طريق أو إطار مبدئي للتفاوض، تمهيدًا لعملية سياسية أطول وأعمق بإشراف أمريكي وربَّما برعاية أممية.
قد يكون الهدف الحقيقي من التصريح هو خلق دينامية سياسية وإعلامية جديدة، تدفع الأطراف نحو الحوار بدل الجمود، وتضع الضغط على القوى التي تعرقل المصالحة داخل كل بلد.
مصالحة يحتاجها الجميع
إذا ما تَحقَّق هذا الاتِّفاق – ولو جزئيًا – فسيكون إنجازًا تاريخيًا ليس فقط للمغرب والجزائر، بل لعموم المنطقة المغاربية.
فتح الحدود، واستئناف الرَّحلات الجوية، وتنشيط التبادل التجاري يمكن أن يفتح الباب أمام تعاون اقتصادي هائل، ويعيد الأمل لملايين الأسر على جانبي الحدود التي طال انغلاقها. لكن الأهم من ذلك هو أن هذا الاتِّفاق – إن تم – سيمثّل انتصارًا للعقل على الأيديولوجيا، وللمصالح المشترَكة على الأوهام القديمة.
يبقى أن نشير إلى مفارقة مؤلمة: أن الوساطة بين بلدين عربيين مسلمين تأتي من رئيس أمريكي مسيحي ومبعوث يهودي، في حين فشل العرب والمسلمون في رأب هذا الصَّدع منذ أكثر من نصف قرن. ومع ذلك، فإنَّّ السياسة لا تعرف الحرج، وإذا كانت هذه المبادرة قادرة على إنهاء قطيعة أضرَّت بالشعبين أكثر ممَّا أضرت بالأنظمة، فمرحبًا بها من أي جهة جاءت.
الكرة الآن في ملعب العاصمتين، الرباط والجزائر. فإمَّا أن تلتقطا هذه الفرصة التاريخية، أو أن تضيع فرصة جديدة تُضاف إلى سجل طويل من الإخفاقات في بناء مغرب عربي موحَّد.
 
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق