الإيطالية نيوز، الجمعة 10 أكتوبر 2025 - في الأسابيع الأخيرة، وضعت موجة الاحتجاجات في المغرب النموذج الاقتصادي للمملكة تحت مجهر الانتقاد، ذلك النموذج الذي دأبت المؤسَّسة الملكية على الترويج له في الخارج بوصفه قصة نجاح لبلدٍ يشهد نموًا اقتصاديًا متسارعًا ويستثمر بكثافة في البنية التحتية.
ورغم أنَّ هذا التصوُّر يحمل جانبًا من الحقيقة، فإنَّه يغفل عن واقعٍ أخر أكثر تعقيدًا: التنمية في المغرب غير متكافئة، إذ تركت خلفها شرائح واسعة من السكَّان، وفي مقدِّمتهم الشباب الذين يقودون الاحتجاجات، إضافةً إلى المناطق الريفية المهمَّشة.
وفي هذا السياق، يبرز أحد الشعارات الرئيسية للحراك الشعبي مُعبِّرًا عن هذا التفاوت: «لا نريد ملاعب، بل مستشفيات».
 |
| المنظر الداخلي لملعب الرباط في صورة التُقطت في سبتمبر (وكالة الأنباء الأوروبية EPA / جلال مرشيدي). |
فالمتظاهرون يعترضون على حجم الإنفاق الحكومي المرتبط باستضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2030 – بما في ذلك بناء ملعب يُتوقَّع أن يكون الأكبر في العالم – ويطالبون بتوجيه هذه الموارد نحو التعليم والصحة وتعزيز الخدمات العامة التي تعاني من ضعف واضح.
من جهتها، ترى الحكومة المغربية في استضافة المونديال، بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال، فرصة كبرى لتحسين صورة البلاد على الساحة الدولية وترسيخ مكانتها كقوة صاعدة في المنطقة.
منذ عام 2001 وحتّى عام 2017، خصَّص المغرب ما بين 25 و38 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا للاستثمار في مشاريع البنية التحتية، وهي من أعلى النسب على مستوى العالم. ومن أبرز رموز هذا التوجُّه التنموي ميناء طنجة المتوسط الذي أصبح واحدًا من أهم الموانئ في حوض البحر الأبيض المتوسِّط، إضافةً إلى أوَّل خط للسكك الحديدية فائقة السرعة في إفريقيا، الذي جرى تدشينه عام 2018.
لكن مستوى المعيشة في البلاد لم يتحسَّن بالوتيرة نفسها. ولهذا السبب وصف معهد الشرق الأوسط للدراسات (Middle East Institute) الحالة المغربية بما سمَّاه «مفارقة التنمية»، أي أن الاستثمارات الضخمة – بما فيها تلك القادمة من الصين – لم تُسفِر إلَّا عن خلق عدد محدود من فرص العمل، ولم تنعكس نتائجها الاقتصادية الإيجابية بشكل ملموس أو سريع على غالبية المواطنين.
 |
| مظاهرة في الرباط بتاريخ 3 أكتوبر (أسوشييتد برس / مصعب الشامي). |
تشير الإحصاءات إلى أنَّ معدل الفقر في المغرب انخفض خلال العقد الممتد بين عامي 2014 و2024 من 11.9 إلى 6.8 في المئة. كما يواصل الناتج المحلِّي الإجمالي نموّه، إذ يتوقع البنك المركزي المغربي أن يسجِّل الاقتصاد هذا العام نسبة نمو تبلغ 4.6 في المئة.
غير أن هذه الأرقام، بحسب ما أوضحت عالمة الاجتماع المغربية «سميرة مزبار» في تصريح لصحيفة "لوموند"، «لا تعكس حقيقة الهشاشة التي يعيشها جزء كبير من المغاربة، بما في ذلك الطبقة الوسطى»، مشيرةً إلى أنَّ البيانات الرَّسمية تبقى بعيدة عن تصوير الواقع الاجتماعي بكل تعقيداته.
ينطبق ذلك بشكل خاص على المناطق الطرفية في البلاد، مثل جهة «سوس ماسة» الواقعة في الجنوب، والتي شهدت أشد موجات الاحتجاجات خلال الأسابيع الماضية. ففي هذه الجهة تقع مدينة «القليعة»، حيث قُتل ثلاثة متظاهرين برصاص الشرطة، وكذلك مدينة «أكادير» التي شَكَّلت نقطة انطلاق الشرارة بعد وفاة ثماني نساء خلال أسبوع واحد في مستشفى عمومي، وهو الحدث الذي فجَّر الغضب الشعبي وأشعل موجة التظاهرات.
تُعتبر هذه المنطقة زراعية بالدرجة الأولى، وقد شهدت خلال السنوات الأخيرة نموًّا في الإنتاج وعدد السكان نتيجة الخطط الحكومية لتطوير القطاع الفلاحي. غير أن هذا التوسُّع ترافق مع انتشار واسع للبيوت البلاستيكية الزراعية، خصوصًا في منطقة «آيت عميرة»، ما أدَّى إلى زيادة العمالة غير النظامية التي تعمل في ظروف قاسية واستغلالية، إضافةً إلى تنامي التجمعات السكنية العشوائية.
وفي هذه الأنحاء، تبدو مؤشِّرات التعليم أسوأ بكثير من المتوسِّط الوطني؛ ففي مدينة «القليعة» مثلًا، لا يتجاوز نسبة الذين أتمّوا التعليم الإعدادي 18 في المئة من السكان، وهو ما يعكس عمق التفاوت التنموي والاجتماعي في المنطقة.
تُعد جهة «سوس ماسة» أيضًا مسقط رأس رئيس الوزراء المغربي الملياردير «عزيز أخنوش»، الذي شغل منصب وزير الفلاحة من عام 2007 حتى 2021، قبل أن يتولَّى رئاسة الحكومة ويحتكر سوق المحروقات. ويُعتبر أخنوش من أبرز المهندسين للنموذج الاقتصادي الحالي الذي يخدم، في المقام الاول، مصالح شركاته الخاصة، إذ كان في تسعينيات القرن الماضي عضوًا في الفريق التقني المكلَّف من الملك بوضع سياسات جديدة للتنمية الاقتصادية، اتَّسمت بطابع ليبرالي متشدِّد.
 |
| انتشار لعناصر الشرطة في الرباط بتاريخ 2 أكتوبر (أسوشييتد برس / مصعب الشامي) |
ويطالب المتظاهرون باستقالة ما يسم نه «الأخطبوط» «أخنوش»، الذي يُنظَر إليه على أنَّه أحد المقرَّبين من القصر الملكي، متَّهمين إياه بالتنصُّل من وعوده الانتخابية. فقد تعهَّد بإحداث 350 ألف فرصة عمل وخفض معدَّل البطالة إلى أقل من 9 في المئة، لكن الواقع يشير إلى أنَّ النسبة العامَّة تبلغ نحو 13 في المئة، بينما تتجاوز بطالة الشباب حاجز 35 في المئة.
وأدارت الحكومة المغربية الاحتجاجات بطريقة وُصفت بالمرتبكة وغير فعّالة. فقد زاد الناطق الرَّسمي باسمها، «مصطفى بايتاس»، من حدة التوتُّر حين ظهر على شاشة التلفزيون ليحمّل مسؤولية البطالة إلى موجات الجفاف، في تصريح أثار استياءً واسعًا. وجاء ذلك بعد سقطة إعلامية سابقة له، حين ذكر في مقابلة أخرى عبر وسائل إعلام مقربة من السُّلطة رقمًا خاطئًا حول الحد الأدنى للأجور في القطاع العام، مُبالَغًا فيه بشكل واضح.
 |
| رئيس الوزراء عزيز أخنوش خلال مؤتمر صحفي في ديسمبر 2024 (وكالة الأنباء الأوروبية EPA / جلال مرشيدي) |
أمَّا رئيس الحكومة «عزيز أخنوش»، فاكتفى بالتعبير العام عن استعداده للحوار من دون تقديم أي تنازلات ملموسة. واكتفى الائتلاف الحكومي بالإعلان عن اتفاق لتعزيز التعاون بين الهيئة الوطنية للنزاهة ومكافحة الفساد، والشرطة، وجهاز المخابرات الداخلية، وجرى تقديم هذا الإجراء كخطوة نحو مكافحة الفساد، استجابةً جزئية لمطالب الحركة الاحتجاجية المعروفة باسم "GenZ 212" – وهو اسم يجمع بين رمز الاتصال الدولي للمغرب (212) وتسمية "جيل زد".
ومن المقرَّر أن يُلقي الملك «محمد السادس» خطابًا اليوم الجمعة، بعد أن كان قد وجَّه في تصريحات سابقة انتقادات للنموذج الاقتصادي "ذو السُّرعتين" المتناقضتين، وهي العبارة نفسها التي يستخدمها المحتجُّون لوصف التفاوت الاجتماعي في البلاد. وحتَّى الآن، يتّخذ الملك موقفًا حذرًا ومتحفِّظا رغم الدعوات المتكرِّرة لتدخُّله المباشر في الأزمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق