وتضمُّ قائمة الموقّعِين أسماء أكاديمية بارزة، بينها «أنجيلو دورسّي» و «دوناتيلّا ديلّا بورتا»، إلى جانب عدد كبير من الجمعيات العلمية والأكاديمية. ويهدف مشروع القانون الذي قدَّمه نواب من «الحزب الديمقراطي»، يتصدرهم «غراتسيانو ديلريو»، بالاقتران مع نص مماثل اقترحه «ماوريتسيو غاسبارّي» عن حزب «فورتسا إيطاليا»، والذي أبدى استعداده الفوري لصيغة توافقية عابرة للأحزاب، إلى إدخال تعريف قانوني ملزِم لمعاداة السامية في المنظومة التشريعية الإيطالية. ويَكْمُن جوهر المشروع في اعتماد التعريف العملي لـ «التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست»، المعمول به في عدد من الدول الأوروبية وداخل مؤسَّسات دولية، والذي يدرج ضمن أمثلة معاداة السامية بعض أشكال النقد الجذري الموجَّه إلى إسرائيل أو إلى الصهيونية باعتبارها أيديولوجيتها التأسيسية.
ويُعرِّف تعريف «التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست» معاداة السامية بأنَّها «تصور معيَّن لليهود يمكن التعبير عنه في صورة كراهية اتِّجاههم. وتشمل مظاهر معاداة السامية اللَّفظية والجسدية أفعالًا موجَّهة ضد أشخاص يهود أو غير يهود و/أو ممتلكاتهم، وضد مؤسَّسات الجاليات اليهودية وأماكن العبادة». ويرى معارضو المشروع أن هذا النهج ينطوي على خطر إدخال مفاهيم غير قانونية في صلب القانون الجنائي، وتوسيع نطاق تطبيقه ليشمل تعبيرات وتحليلات مشروعة لسياسات دولة ذات سيادة.
وفي نصِّ العريضة، يُحذِّر الموقِّعون من «قفزة نوعية خطيرة»، مشيرين إلى أنَّه لا توجد سوابق في النظام القانوني الإيطالي تُجرِّم انتقاد دولة ما. كما ينبِّهون إلى إدخال تعريف فضفاض ومُسيَّس إلى القانون الوضعي، وهو تعريف غير صالح ليكون معيارًا قانونيًا، لا سيما في مجالي البحث العلمي والتعليم. ويؤكِّدون عاى أنَّ مشروعي «غاسبارّي–ديلريو» لا يعزِّزان مكافحة معاداة السامية، بل يقوِّضان مصداقيتها من خلال الخلط بين الكراهية المعادية لليهود والمعارضة السياسية، وما يترتَّب على ذلك من أثر ترهيبي.
ويشير البيان إلى أنَّ تعريف «التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست» يُروَّج له عبر جهود دبلوماسية مكثَّفة من قبل إسرائيل، «التي تستخدمه أداةً لحماية الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي وحقوق الإنسان التي ترتكبها». وبحسب الموقِّعين، يعكس ذلك «رغبة في إسكات الأصوات والمعارف النقدية في مجالات بحثية متعدِّدة وفي الفضاءات الجامعية، التي شكَّلت أحد محاور المعارضة لتدمير سكان «قطاع غزة» ولتواطؤ الحكومة الإيطالية مع الجرائم الإسرائيلية». ويؤكِّدون على أنَّ الخطر ليس نظريًا، بل يتمثَّل في الرقابة الذاتية الاستباقية، وتحويل المعرفة إلى مجال خاضع للمراقبة، والتراجع الواضح عن الحريات الدستورية باسم حماية يمكن – ويجب – ضمانها بأدوات قانونية قائمة بالفعل.
وبوجه خاص، يُحذِّر الموقِّعون من أنَّ استخدام مفاهيم تحليلية مثل «الاستعمار الاستيطاني» أو «التطهير العرقي» أو «الفصل العنصري» في السياقات الأكاديمية قد يُساء تفسيره على أنه تمييز يعاقَب عليه القانون، لكونه مُدرجًا ضمن تعريف معاداة السامية الذي يسعى مشروع القانون لاعتماده. وهو ما يفتح، بحسبهم، سيناريو جديدًا تُعامل فيه انتقادات سياسات الدول على قدم المساواة مع مظاهر الكراهية العرقية.
سياسيًا، جاءت ردود الفعل على مشروع القانون منقسمة. فحتّى داخل «الحزب الديمقراطي» برزت اعتراضات على ما عُدّ مساواة غير مبرَّرة بين معاداة السامية وانتقاد إسرائيل. ويعكس عدد التواقيع التي جُمعت خلال ساعات قليلة حجم النقاش المحتدم، الذي يُتوقَّع ألا ينتهي مع وصول المشروع إلى قاعة البرلمان. فالمسألة المطروحة، وفقًا لمنتقدي المشروع، لا تتعلَّق بقانون صيغ على نحو سيِّئ فحسب، بل تمسُّ جوهر الفضاء العام الديمقراطي نفسه: فضاء لا ينبغي للمعرفة فيه أن تطلب الإذن، ولا يجوز أن تُجرَّم فيه ممارسة النقد.
