المدارس في المنطقة مغلَقة منذ ثلاثة أيّام، كما أغلقت المتاجر أبوابها أمس. ولمنع الاقتراب من مقر المركز الاجتماعي، نصبت قوات الأمن حواجز من الخرسانة المسلَّحة والحديد، هي نفسها المستخدمة في «وادي فالسوزا» لحماية مواقع مشروع «القطار فائق السرعة» (TAV)، والتي غالبًا ما تكون خاليةً إلَّا من عناصر الشرطة.
حيّْ كاملٌ وجد نفسه محاصَرًا بعملية أمنية انتهت بتدخُّل عنيف ضد تظاهرة أمس. ففي نحو الساعة الثالثة بعد الظهر، انطلق آلاف المواطنين من محيط جامعة «بالاتسو نووفو» (جامعة الدراسات الإنسانية) احتجاجًا على قرار الحكومة. وبينما لا تزال الإدارة البلدية متردِّدةً في تحديد موقفها، نزل المواطنون إلى الشوارع للتعبير عن رفضهم، ليُوَاجهوا خلال المسيرة بالغاز المسيل للدموع وهراوات الشرطة.
Guerriglia a Torino, cassonetti dati alle fiamme pic.twitter.com/vwIR3pYNvh
— Local Team (@localteamit) December 20, 2025
وكان عمدة «تورينو» «استيفانو لو روسو» قد أعلن قبل يومين إلغاء اتِّفاق التعاون بين البلدية ومركز «أسكاتاسونا»، وهو الاتِّفاق الذي كان يقضي بتحويل المركز إلى «ملكية عامة مشتركة» مقابل قيام الناشطين بأعمال تأهيل وترميم كاملة على نفقتهم الخاصَّة. غير أن العمدة عاد هذا الصباح، في رسالة مصورة، ليؤكِّد «النظر إلى مستقبل كورسو ريدجينا 47»، في إشارة إلى عنوان المركز.
وقال «لو روسو» إنَّ إدارته «تبنَّت نهج الحوار مع المجتمع والحركات الاجتماعية، وهو نهج ينسجم مع تقاليد مدينة ديمقراطية ومناهضة للفاشية مثل تورينو»، واصفًا «أسكاتاسونا» بأنَّه فضاء «مهم، ليس فقط لحي فانكيليا». وأكَّد على أنَّ «الإجراءات القضائية ستسير في مسارها»، بينما «حماية المِلكية العامَّة تخضع لمنطق سياسي وإداري مختلف»، مشدِّدًا على أنَّ «المسؤوليات الجنائية تبقى شخصية». تصريحات اعتبرها كثيرون داخل المركز الاجتماعي موقفًا ملتبَسًا، يُرجِعونه إلى حسابات انتخابية قبيل استحقاق عام 2026.
تفتيشات واسعة وانتشار أمني كثيف
يقول أحد الناشطين المشاركين في المسيرة: «تجري عمليات تفتيش مكثفة للغاية». ويضيف أن عناصر بملابس مدنية أوقفوا عربات الترام قرب سوق «بورْطا بالاتْسو» وطلبوا بطاقات الهوية من جميع الركَّاب من دون تمييز، كما حدث الأمر نفسه مع القادمين إلى محطة «بورْطا نْوُوفا». وأُغلِقت جميع مداخل حي «فانكيليا» بشاحنات للشرطة وعشرات العناصر البوليسية بزي مكافحة الشغب، فيما أُغلقت الشوارع الرئيسية، من «كورسو ريدجينا» و «كورسو سان ماوْريتسيو» إلى «شارع فانكيليا»، باستخدام عربات الشرطة وخراطيم المياه.
وأعرب تُجّار المنطقة عن غضبهم، إذ كتب أحدهم على وسائل التواصل الاجتماعي: «هل سيأتي قائد الشرطة لتوزيع الطرود التي يجب أن أُسلِّمها إلى متجري؟».
Corteo contro sgombero Askatasuna, guerriglia a Torino: i reparti antisommossa della polizia avanzano pic.twitter.com/qDbTzy27sW
— Local Team (@localteamit) December 20, 2025
تدخل أمني وتصعيد سياسي
ما إن وصلت المسيرة إلى «كورسو ريدجينا»، وعلى بعد مئات الأمتار من مقر «أسكاتاسونا»، حتى بدأت الشرطة بالتدخُّل: هراوات، خراطيم مياه، وقنابل مسيلة للدموع أُطلقت على ارتفاع مباشر، طالت مُقدِّمة المسيرة ومؤخِّرتها والشوارع الجانبية. ورغم الهواء الخانق، لم تتفرَّق التظاهرة، بل أقام المشاركون حواجز وأشعلوا النار في بعض حاويات النفايات لإبطاء تقدُّم قوات الأمن، قبل أن تُغيِّر المسيرة مسارها مبتعدةً عن مقر المركز.
وأثار ما جرى ردود فعل سريعة من قوى اليمين، إذ دعا «ماتيو سالفيني» إلى «الجرّافات ضد المراكز الاجتماعية»، فيما وصف «أنطونيو تاياني» المتظاهرين بأنَّهم «أبناء مُرفَهين يعتدون على أبناء الشَّعب». تصريحات اعتبرها المحتجون تجاهلًا لحقيقة أن آلاف المشاركين يمثلون شريحة واسعة من المجتمع المسحوق، الذي كلما انتفض للمطالبة بأبسط الحقول تطاله الهراوات لتخرسه.
ويأتي ذلك في سياق سياسة حكومية واضحة، شملت في السنوات الأخيرة إجراءات ضد مراكز اجتماعية عدَّة، من «فورتي برينيستينو» إلى «ليونكافالو»، وصولًا إلى مطالب بإخلاء مواقع أخرى في «نابولي» ومدن مختلفة.
واختُتمت المسيرة بدعوة عبر مكبِّرات الصوت إلى «الوجود حيث كنا دائمًا: في الجامعات، والمدارس، وفي «فالْسوزا»، ومع الشعوب المناضلة»، مع الإعلان عن تنظيم تظاهرة وطنية كبرى في 31 يناير المقبل.
