ونشر البنتاغون على منصة «إكس» مقطع فيديو يوثِّق وقوع العملية. كما شكر وزير الدفاع الأميركي «بيت هيغسيث» الحكومة النيجيرية على دعمها وتعاونها، مضيفًا: “ستتبع ذلك تطوُّرات أخرى…”. من جهتها، أكدت «أبوجا» في بيان استعدادها للتعاون مع واشنطن لتعزيز الجهود ضدَّ الجماعات المسلَّحة، لكنَّها شدَّدت على أن هذه الجماعات تستهدف المسلمين والمسيحيين على حدٍّ سواء، معتبرةً أن الاتهامات الأميركية بوجود اضطهاد ديني لا تعكس تعقيد الواقع، ولا تأخذ في الحسبان الجهود الحكومية المبذولة لحماية حرية العبادة.
.@POTUS “Tonight, at my direction as Commander in Chief, the United States launched a powerful and deadly strike against ISIS Terrorist Scum in Northwest Nigeria, who have been targeting and viciously killing, primarily, innocent Christians, at levels not seen for many years, and… pic.twitter.com/ct7rUW128t
— Department of War 🇺🇸 (@DeptofWar) December 26, 2025
وتأتي العملية الأميركية في سياق عدم استقرار مزمن تشهده نيجيريا منذ سنوات، حيث تنشط جماعات جهادية وميليشيات مسلحة وشبكات إجرامية. وفي تصريحاته، شدّد «ترامب» على البعد الديني للنزاع لتبرير الضربات، متحدِّثًا عن «اضطهاد منهجي للمسيحيين»؛ وهي رواية تلقى صدى لدى أوساط محافظة في الولايات المتحدة، غير أنَّ كثيرًا من المحلِّلين يرونها تبسيطية، إذ إنَّ الأزمة تُغذِّيها عوامل متداخلة تشمل التوتٌّرات العرقية، والتنافس على الموارد، والفقر، وضعف المؤسَّسات، ما يجعل المدنيين من مختلف الديانات عُرضةً لعنف عشوائي.
وكان «ترامب» قد اتَّهم، مطلع نوفمبر، الحكومة النيجيرية بالتساهل مع قتل المسيحيين، وسمَّى جماعتي «بوكو حرام» و «ولاية غرب أفريقيا التابعة لتنظيم لداعش» (ISWAP) بوصفهما مسؤولتين عن «فظائع مروِّعة» بحق المسيحيين. وجاءت تهديداته بعد مواقف مماثلة للسيناتور «تيد كروز»، الذي اتَّهم نيجيريا بالسماح بـ«مجزرة» بحق المسيحيين. في المقابل، رفض الرئيس النيجيري «بولا أحمد تينوبو» هذه القراءة، مؤكِّدًا على احترام حرية الدِّين والسيادة الوطنية، ومشدِّدًا على أنَّ العنف لا يستهدف المسيحيين وحدهم.
وبحسب بيانات «مشروع رصد مواقع وأحداث النزاعات المسلحة» (ACLED)، سُجِّل بين يناير 2020 وسبتمبر 2025 ما مجموعه 11,862 هجومًا على مدنيين من المسيحيين والمسلمين، وأسفرت أعمال «بوكو حرام» و«ولاية غرب أفريقيا التابعة لتنظيم لداعش» عن 20,409 ضحايا. وتشير المعطيات إلى أنَّ جزءًا كبيرًا من العنف، ولا سيما في الشمال الغربي، تقوده عصابات مسلَّحة وميليشيات ذات طابع عرقي. ومنذ وصول «تينوبو» إلى السُّلطة عام 2023، تُقدَّر الحصيلة بنحو 10 آلاف قتيل، ومئات حالات الخطف، ونحو 3 ملايين نازح. ووفقًا لِـ «الجمعية الدولية للحريات المدنية وسيادة القانون» (Intersociety)، قُتِل أكثر من 52 ألف مسيحي منذ عام 2009، بينهم 7 آلاف منذ ديسمبر الماضي، مع اتِّساع رُقعة العنف جنوبًا بفعل النزاعات على الأراضي والموارد.
على الصعيد الجيوسياسي، تبدو مبادرة «واشنطن» أقرب إلى حسابات نفوذ منها إلى دوافع إنسانية. فرغم توثيق اضطهاد المسيحيين في دول أخرى مثل الصومال واليمن وليبيا والسودان وإريتريا وباكستان وأفغانستان وسوريا، فإنَّ الحالة النيجيرية تتَّسم بتعقيد خاص، حيث يطال العنف جماعات دينية متعدِّدة. وتأتي الغارات الأميركية في وقت تُعزِّز فيه الصين حضورها الاقتصادي والدبلوماسي في نيجيريا وغرب إفريقيا عبر الاستثمارات والاتفاقات والبنى التحتية والتعاون السياسي. وتُعد نيجيريا أكبر منتج للنفط في إفريقيا، مع احتياطات تتركَّز في «دلتا النيجر» ذات التركيبة الدينية المختلطة، وإن كانت الغالبية مسيحية.
وخلال السنوات الأخيرة، أسهم تعميق الشراكة الصينية–النيجيرية وآليات التعاون بين دول الجنوب في تعزيز وزن «بكين» كشريك استراتيجي. ويُحذِّر مراقبون من أنَّ النهج الأميركي المُتشدِّد وخطاب ترامب حول «حماية المسيحيين» قد يُنظَر إليهما بوصفهما أدوات سياسية، ما قد يُغذِّي الشكوك والتوتُّرات المحلية، ويدفع — على نحو معاكس للمقصود — «أبوجا»، ومعها جزءًا من غرب إفريقيا، إلى مزيد من التقارب مع المدار الصيني.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق