وفقًا للتحقيقات الأولية، أُطلق على «بورتنوف» خمس رصاصات، أصابت ثلاث منها جسده، فيما اخترقت الأخيرة مؤخرة رأسه أثناء سقوطه أرضًا، في ما يبدو أنها عملية إعدام مكتملة الأركان. وكان الضحية قد أوصل أطفاله إلى المدرسة، وكان يهمّ بالعودة إلى سيارته حين باغته المهاجمون. وتحدث شهود عن أن الفاعلين كانوا رجلين أو ثلاثة، لاذوا بالفرار إلى منطقة حرجية مجاورة.
حتى الآن، لم تتضح دوافع الجريمة؛ إذ لم يُعرف بعد ما إذا كانت سياسية، شخصية، أو نتيجة تصفية حسابات. إلا أن اغتيال «بورتنوف» يضاف إلى سلسلة طويلة من الوفيات المشبوهة التي طالت شخصيات كانت محسوبة على معسكر «يانوكوفيتش».
سجل مثير للجدل
ينحدر «بورتنوف» من مدينة "لوغانسك"، وكان أحد أبرز الوجوه السياسية المقربة من موسكو، إذ شغل مناصب رفيعة، بينها نائب رئيس الإدارة الرئاسية الأوكرانية بين عامي 2011 و2014، حيث أشرف على الملفات القانونية. سبق له أن تعاون مع زعيمة المعارضة السابقة «يوليا تيموشينكو»، وكان عضوًا في البرلمان في العقد الأول من الألفية الجديدة.
فرّ «بورتنوف» إلى روسيا في 2014 عقب الإطاحة «بيانوكوفيتش»، وحصل لاحقًا على الجنسية الروسية. وواجه في أوكرانيا اتهامات بالفساد والخيانة العظمى، أُسقطت لاحقًا. كما تولى إدارة قناة "نيوز وان" الموالية لروسيا لفترة قصيرة في عام 2018. موقعه الجغرافي في إسبانيا لم يكن معروفًا علنًا، ما يثير تساؤلات حول كيفية تعقبه.
خلفيات محتملة: قائمة "ميروتفوريتس"
بين الفرضيات التي يدرسها المحققون، ارتباط الجريمة بموقع "ميروتفوريتس" الأوكراني، وهو منصة إلكترونية مثيرة للجدل أُطلقت في ديسمبر 2014، وتُتهم بأنها تدار أو تُنسق مع جهاز الأمن الأوكراني. تنشر المنصة بيانات شخصية عن أشخاص تعتبرهم "أعداء لأوكرانيا"، بمن فيهم سياسيون، صحفيون، فنانون وحتى أطفال، وتصفهم بأنهم متعاونون مع روسيا أو انفصاليون. وقد ورد اسم «بورتنوف» على الموقع منذ عام 2015 بتهمة "الخيانة"، وبعد مقتله، أُرفق ملفه بكلمة "تمت تصفيته".
سبق للمنصة أن نشرت بيانات لشخصيات دولية، من بينها الصحفي الإيطالي الراحل «جولييتّو كييزا»، والمخرجة «سارا ريجينيلا»، والكاتب «فرانكو فراكاسي»، ما دفع منظمات مثل الأمم المتحدة و"هيومن رايتس ووتش" إلى المطالبة بإغلاقها، معتبرة أنها تحرض على العنف وتنتهك الخصوصية. البرلمان الأوروبي بدوره دعا مرارًا إلى إغلاقها رسميًا.
سلسلة من الاغتيالات الغامضة
اغتيال «بورتنوف» ليس حالة فردية. في أبريل 2015، قُتل الصحفي والكاتب الأوكراني «أوليس بوزينا» بإطلاق نار في كييف، بعد أيام من نشر عنوانه على موقع "ميروتفوريتس". سبقه في اليوم نفسه السياسي «أوليغ كالاشنيكوف»، النائب السابق عن حزب الأقاليم، الذي اغتيل بالرصاص أمام منزله في كييف. كذلك، قُتل الصحفي «سيرغي سوخوبوك» في ظروف مماثلة في كييف.
بين فبراير وأبريل 2015، لقي ثمانية سياسيين ومسؤولين مرتبطين بحزب «يانوكوفيتش» مصرعهم بطرق صنّفتها وسائل الإعلام المحلية على أنها "انتحارات"، مثل «ألكسندر بيكلوشينكو» و «ستانيسلاف ميلنيك» و «ميخايلو تشيتشيتوف»، الذي سقط من الطابق السابع عشر في حادثة أثارت شكوكًا حول تصفيته.
وفي حادث حديث، عُثر على النائب الأوكراني السابق الموالي لروسيا «إيليا كيفا» جثة هامدة وسط الثلوج قرب منتجع فاخر في محيط موسكو، وسط تقارير تفيد بتورط جهاز الأمن الأوكراني في تصفيته.
شبح التصفيات المتبادلة
في المقابل، سُجلت حوادث قتل غامضة لشخصيات روسية مؤيدة لأوكرانيا أو معارضة للكرملين، مثل مقتل العالم الروسي «أندري بوتيكوف»، أحد مطوري لقاح "سبوتنيك"، والبرلماني «بافيل أنطوف»، الذي سقط من شرفة فندق في الهند في ظروف مريبة. كما يبرز اغتيال المعارض الروسي «بوريس نيمتسوف» في فبراير 2015 بالقرب من الكرملين، بعد أن كان قد صرّح علنًا بأن الرئيس «بوتين» "يريد التخلص منه".
هذه الحوادث، على اختلاف خلفياتها، تكرّس نمطًا من التصفيات السياسية المتبادلة التي تُنفذ بصمت واحترافية، وتكشف الوجه الخفي لصراعات النفوذ التي تتجاوز الجبهات التقليدية، لتمتد إلى عواصم أوروبا الغربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق