وخلال كلمته، التي تكرَّرت لاحقًا أمام مجلس النوَّاب، استعرض «تاياني» الجهود الإنسانية التي تبذلها إيطاليا لدعم المدنيين في قطاع غزة، مُشيرًا إلى العلاقة الإيجابية التي تربط السُّلطات الفلسطينية بالحكومة الإيطالية، ومؤكِّدًا بشكل عام على دعم روما لخطَّة السَّلام - أنا شخصيا لا أعرف عن أي خطَّة سلام يتحدَّث - وإعادة الإعمار التي طرحتها مصر. ومع ذلك، حافظ الوزير على درجة عالية من الغموض والحذر في تصريحاته، مُتجنِّبًا الخوض في تفاصيل دقيقة أو اتِّخاذ مواقف صريحة وشجاعة.
ويوجد بين ما تجاهله «تاياني» بشكل لافت للانتباه، غياب أي إشارة إلى مبادرات دبلوماسية إيطالية خاصة، وعدم التطرُّق إلى موقع إيطاليا ضمن الموقف الأوروبي العام، إضافة إلى عدم الإشارة بأي شكل إلى رئيس حكومة كيان الاحتلال الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو»، الذي لم يُذكَر إسمُه إطلاقًا خلال الخطاب.
هذا النَّهج المتلوِّن أثار انتقادات داخلية، إذ وصف النائب «بيبِّي بروفينتسانو»، مسؤول الشؤون الخارجية في الحزب الديمقراطي (PD)، خطاب الوزير بأنَّه يعكس "الجمود غير المقبول وعدم الفعالية لحكومة الحرباء «ميلوني» في مواجهة المجازر المروِّعة التي تُرتَكب في قطاع غزة".
ويعكس أداء الحكومة الإيطالية برئاسة «جورجا ميلوني» اتِّجاه الحرب في قطاع غزة موقفًا شديد الحَذر، وإن كان منسجمًا إلى حد كبير مع مواقف الاتحاد الأوروبي والدول الغربية الأخرى. ويرى مراقبون أنَّ «ميلوني» تتردَّد في اتِّخاذ موقف حاسم لأسباب تتعلَّق بتاريخها السياسي، وعلاقاتها التي عملت طويلًا على بنائها مع المجتمع اليهودي، فضلًا عن حسابات سياسية داخلية واستطلاعات الرأي التي تُوجِّه قراراتها.
في المحصلة، جاءت إفادة «تاياني» أشبه بإعادة تأكيد لسياسة "الانتظار والمراقبة"، وسط أزمة إنسانية وسياسية تتطلَّب، بحسب المعارضة، تحرُّكًا أكثر وضوحًا وجرأة وإنسانية، بما يتوافق مع رغبة وشعور الشعب الإيطالي.
من الواضح أن رئيسة الوزراء الإيطالية «جورجا ميلوني» تمرُّ بموقف معقَّد فيما يتعلَّق بالحرب على غزة. فهي تحاول الموازنة بين ماضيها السياسي وعلاقاتها القوية مع إسرائيل من جهة، وبين ضغوط الرأي العام وضرورات الواقع السياسي من جهة أخرى. هذا التردُّد لم يعد مستساغًا في ظل ما يحدث ميدانيًا.
ما يبدو لي هو أن «ميلوني» تحاول الحفاظ على شعرة معاوية: لا تريد أن تخسر دعم القاعدة اليمينية المحافظة التي تميل تقليديًا لإسرائيل، ولا تريد أن تظهر بمظهر المتجاهل لما يجري في قطاع غزة من مأساة إنسانية تماما كما يفعل القادة العرب الذي يعربون على العديد من الإدانات على خشبة المسرح السياسي ويتوددون إلى الكيان الصهيوني خلف الستار. لكن الحقيقة هي أن هذا النوع من الغموض السياسي لم يعد كافيًا.
الرأي العام في أوروبا، وحتى في إيطاليا، بدأ يتغيَّر. ليس فقط في أوساط اليسار أو اليسار الوسط، بل حتَّى بعض ناخبي اليمين لم يعودوا يقبلون بالدفاع غير المشروط عن إسرائيل، خاصة مع تزايد الانتقادات الدولية لمجرم الحرب «نتنياهو». بل وحتى داخل الحكومة نفسها، تظهر تباينات: فوزير الدفاع «غُويدو كروزيتّي» بدا أكثر نقدًا لـ «نتنياهو»، بينما لا يزال الماكر «ماتيو سالفيني» يُظهر دعمه له بلا تردُّد.
الحكومة الإيطالية اختارت مرارًا الامتناع عن التصويت في الأمم المتحدة على قرارات تتعلَّق بالقضية الفلسطينية، محاوِلةً أن تحافظ على حيادها الشَّكلي. لكنَّها اليوم تبدو وكأنها عاجزة عن قراءة المتغيّرات الدّولية، ومتمسِّكة بموقف لم يعد مقنِعًا.
في النهاية، يبدو أن «ميلوني» تحاول التوفيق بين مواقف متناقضة: تريد البقاء قريبة من إسرائيل، لكنها في الوقت ذاته لا تستطيع تجاهل التحولات في الرأي العام الأوروبي والعالمي. وهذا التردد، إذا استمر، قد يكلفها الكثير، سواء داخليًا أو خارجيًا.
منذ أسابيع قليلة، بات من الصَّعب على إيطاليا الاستمرار في سياسة التوازن الحذِر التي اتبعتها طيلة الفترة الماضية حُيال الحرب في القطاع الفلسطيني المحاصر. فعلى الساحة الدولية، بدأت أوروبا تتخذ خطوات – وإن كانت رمزية – تنأى بها عن إسرائيل. ففي 19 مايو، أصدر قادة كل من فرنسا وكندا والمملكة المتحدة (الأخيرة تحديدًا كانت دومًا شديدة التحفُّظ في هذه المسألة) بيانًا مشترَكًا أدانوا فيه بشدَّة استئناف العمليات العسكرية الإسرائيلية. وفي اليوم التالي، وبمبادرة من رئيسة الدبلوماسية الأوروبية «كايا كالاس»، أعلن وزراء الخارجية والدفاع في الاتحاد الأوروبي عن مراجعة اتِّفاقية الشراكة السياسية والتجارية مع إسرائيل، السارية منذ عام 2000.
المفارقة أن إيطاليا كانت بين سبعة دول فقط عارضت هذا القرار، إلى جانب ألمانيا والمجر، بينما أيَّده عشرون بلدًا. ولكن حتَّى داخل هذا المعسكر الرافض، بدأت ملامح التململ بالظهور؛ إذ خرج المستشار الألماني «فريدريش ميرتس» بعد أيام قليلة ليٌعلن – في موقف اعتُبر مفاجئًا بقدر ما هو موزون – أنه لم يعد يفهم ما يقوم به «نتنياهو» في قطاع غزة. وهي كلمات تكتسب ثقلاً خاصًا من بلد مثل ألمانيا، الذي لطالما تبنّى موقفًا داعمًا لإسرائيل، مستنِدًا إلى الذاكرة التاريخية المرتبطة بالهولوكوست. ومع ذلك، فإنَّ مواقف الحذر التي تشاركتها بعض الدول الأوروبية مع إيطاليا بدأت تتراجع لصالح تصريحات أكثر وضوحًا وصراحة.
لكن، في رأيي المتواضع، القضية لا تقتصر على السياسة الخارجية فقط، بل تمتد أيضًا إلى المعادلة الداخلية والحسابات الانتخابية. فاستطلاع رأي أجرته وكالة "ديموس"، ونُشر في صحيفة «لاريبوبليكا» (الجمهورية)، أظهر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» لا يحظى بشعبية كبيرة حتَّى بين مؤيدي "حزب فْراتيلِّي دِ إيطاليا" (إخوة إيطاليا) نفسه، إذ لم تتجاوز نسبة من يقيّمونه إيجابيًا 28٪. ومن هنا ينبع القلق من أن يبدو الحزب وكأنه يمنح دعمه الكامل للسفَّاح «نتنياهو»، وهو ما قد يؤدي إلى خسائر سياسية في الأسابيع المقبلة. لهذا السبب، لم تلقَ التصريحات شديدة الانحياز لإسرائيل التي أدلى بها السيناتور «جوليـو تيرزي دِ سانت أغاتا» – خلال مداخلته البرلمانية ردًّا على الوزير «تاياني» – ترحيبًا من بعض زملائه في الحزب.
علاوة على ذلك، بين الأصوات التي سعت إلى توضيح موقف الحكومة والحزب، يبرز النائب «جانجاكومو كالوفيني»، رئيس لجنة الشؤون الخارجية عن حزب «إخوة إيطاليا»، الذي صرّح قائلاً: «إيطاليا تعمل بنشاط من أجل السلام، ومن واجبها أن تُبقي قنوات الحوار مفتوحة مع إسرائيل. لكنَّنا، في الوقت ذاته، لا نستطيع أن نقف مكتوفي الأيدي أمام الصور المروِّعة القادمة من قطاع غزة». وأردف: «لهذا علينا تكثيف جهودنا لوقف هذا الوضع، والعمل على الخطة السلمية التي طرحتها الدول العربية، والتي تتضمَّن الاعتراف بدولة فلسطين عندما لا تكون غزة خاضعة لحكم حركة حماس الإرهابية». حتَّى في هذا التصريح، يبدو واضحًا ذلك الجهد الحثيث للإبقاء على التوازن: تواصل مع إسرائيل من جهة، وإدراك لواقع إنساني لا يمكن تجاهله من جهة أخرى. لكن إلى متى يمكن لإيطاليا أن تحافظ على هذا الحياد النسبي، في وقت لم يعد فيه الأخرون قادرين أو راغبين في ذلك؟
ما يجري اليوم لا يمكن اختزاله في مجرَّد حسابات تكتيكية آنية. فالقضية الفلسطينية–الإسرائيلية تحفر عميقًا في تاريخ المواقف الإيطالية، سواء من ناحية التقاليد الدبلوماسية للحكومات المتعاقبة، أو من حيث الخلفية الإيديولوجية لليمين المتطرِّف. فمنذ النصف الثاني من القرن العشرين، انتهجت إيطاليا سياسة فريدة في هذا الملف: حليفٌ مخلصٌ للولايات المتحدة، لكنَّها في الوقت نفسه حريصة دومًا على إبقاء خطوط التواصل مفتوحة مع العالم العربي. وقد لعبت الحكومات المسيحية الديمقراطية – بتفاوت في درجات الحماسة – دور الوسيط بين الجانبين، وهو ما أدَّى أحيانًا إلى توتُّر علاقاتها مع "واشنطن" و"تل أبيب".
من هنا تنبع تقاليد دبلوماسية توصي بالحفاظ على علاقات متوازنة مع السلطة الفلسطينية وحلفائها التقليديين، من دون أن يعني ذلك التهاون في إدانة العنف أو التورُّط في مواقف رمادية اتِّجاه حماس. غير أنَّ الأمر لا يقف عند حدود السياسة الخارجية، بل يمتدُّ ليطول هواجس داخلية وحسابات أكثر حساسية، تتعلَّق تحديدًا بالعلاقة مع الجاليات اليهودية في إيطاليا والغرب، وهي علاقة سعت الحرباء «ميلوني» إلى ترميمها وبنائها بشَقِّ الأنفس.
فاليمين الإيطالي، لا سيما في شِقِّه ما بعد الفاشي، ظل لعقود يعاني مظهريا من أزمة ثقة حادَّة مع الطائفة اليهودية. والسبب يعود إلى الإرث الثقيل الذي خلّفته القوانين العنصرية وتعاون نظام «موسُّوليني» مع النازية، ثُمَّ لاحقًا إلى بقايا معاداة السامية التي استمرَّت في تلوين بعض أجنحة الحركة الاجتماعية الإيطالية، التي كانت نواة تحوُّلها لاحقًا إلى حزب "التحالف الوطني"، ثم إلى "إخوة إيطاليا".
وهنا أقلب صفحات المذكرة إلى الوراء لاسترجع بعض الأحداث، أهمها هو أن في عام 2003، أطلق «جانفرانكو فيني»، زعيم التحالف الوطني حينها، تصريحًا لافتًا للانتباه من قلب "متحف المحرقة" في القدس المحتلة، أدان فيه بشكل قاطع السياسات المعادية لليهود في عهد الفاشية. كانت تلك اللَّحظة بمثابة نقطة تحوُّل، ومهدت لبداية علاقة أقل توتُّرًا بين اليمين الإيطالي والمجتمع اليهودي. وقد واصلت «الحِرباء» هذا النَّهج، مع عدد من قيادات حزبها، في محاولات واضحة لإعادة بناء جسور الثقة.
لكن الطريق لم يكن خاليًا من العثرات. ففي أكتوبر 2021، وقبيل الانتخابات البلدية في روما، أطلق «إنريكو ميكيتّي» – مرشَّح اليمين لمنصب العمدة – تصريحًا مسيئًا بحق اليهود، ألمح فيه إلى أنهم حظوا بتعاطف أكبر من أقلِّيات أخرى لأنَّهم "يمتلكون المصارف وينتمون إلى لوبيات تتحكَّم بمصير العالم"، حسب تعبيره. ورغم أن «ميكيتّي» كان قد ارتكب العديد من الزلَّات خلال حملته، فإنَّ تلك التصريحات كانت الأشدَّ وطأة، حتَّى على «ميلوني» نفسها، التي اضطرَّت تحت وطأة الغضب العام إلى إلغاء زيارة كانت مقرَّرة إلى حي اليهود في روما، تزامنًا مع ذكرى حملة الترحيل النازي عام 1943، لتفادي الإحراج والاحتجاجات.
هذه الوقائع تحيلنا إلى لحظة تتكثَّف فيها الحسابات التاريخية والحساسية السياسية في مشهد واحد. واليمين الإيطالي، وهو يحاول تصحيح مساره التاريخي، يواجه تحدِّيًا في موازنة التحالفات الدولية، والمواقف الأخلاقية، والمصالح الانتخابية، في ملف حساس كالقضية الفلسطينية.
في اعتقادي الخاص، تولّي جورجا «ميلوني» هذا الجانب أهمية قصوى، لأنَّها تدرك تمامًا أنَّ أي زلَّة أو حادث عرضي قد يُهدِّد بتقويض ما بذلته من جهود على مدى سنوات لبناء علاقة متينة مع الجالية اليهودية، سواء داخل إيطاليا أو خارجها. ولهذا لم يكن من قبيل الصُّدفة أن تقدم، في عام 2022، على ترشيح الصحفية «إستر مييلي» – الناطقة السابقة بإسم الجالية اليهودية في روما – والتي انتُخبت لاحقًا عضوة في مجلس الشيوخ.
كما لم يكن من قبيل المصادفة أن تبادر، بعد أسابيع قليلة فقط من تولِّيها رئاسة الحكومة، إلى تنظيم سلسلة من اللِّقاءات التي عكست، وبوضوح مبالَغ فيه أحيانًا، اهتمامها المعلَن بالعلاقات مع الجاليات اليهودية. فقد استقبلت في قصر "كيجي" «رونالد لاودر»، رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، أكبر هيئة تمثيلية لليهود في العالم؛ وشاركت في مراسم إحياء ذكرى الصحفيين اليهود الذين تعرَّضوا للاضطهاد؛ لكنَّها بلغت ذروة الرمزية السياسية والوجدانية حين ألقت خطابًا مؤثِّرًا في المتحف اليهودي، خلال مشاركتها في احتفالية إضاءة شموع "حانوكا" – أحد أهم الأعياد الدينية اليهودية – بحضور رئيسة الجالية اليهودية في روما حينها، «روث دوريغيلو».
وفي هذا المشروع السياسي الرمزي المتواصل لبناء الجسور مع المجتمع اليهودي، لعب «إنياتسيو لاروسّا»، رئيس مجلس الشيوخ، دورًا لا يقلُّ أهمِّية. فقد حرص بدوره على الحفاظ على علاقات جيِّدة مع الجالية اليهودية في ميلانو، التي عبّر رئيسها، «وُوْكر ميغناجي»، في أكثر من مناسبة، عن توافقه وتقديره لمواقف حزب "إخوة إيطاليا".
لكن الدور الأكثر حساسية الذي اضطلع به «لاروسّا» – وبتنسيق وثيق مع «ميلوني» – تَمثَّل في إدارة العلاقة المعقَّدة مع السيناتورة «ليليانا صيغري»، الناجية من المحرقة النازية، التي لم تتردَّد في توجيه انتقادات واضحة للحزب ومواقفه التاريخية من قضايا اليهود والهولوكوست. وقد حاول «لاروسّا» تخفيف حدَّة التوتُّر، مذكّرًا بأن زوج «صيغري»، المحامي الكاثوليكي «ألفريدو بيلي باتشي»، كان في سبعينيات القرن الماضي عضوًا في "الحركة الاجتماعية الإيطالية"، الحزب الذي يُعتبر السلف السياسي لـ"إخوة إيطاليا"، والذي كان مُقَرّبًا من زعيمه التاريخي، «جورجو ألميرانتي». إنها تفاصيل قد تبدو ثانوية أو متجاوزة، لكنَّها في الحقيقة تكشف عن مدى تعقيد المعادلة التي تحاول «ميلوني» إدارتها: التوفيق بين إرث سياسي ثقيل، وحاضر يحتاج إلى بناء شرعية جديدة، وشبكة من العلاقات الدولية والمحلية لا تقبل التناقضات. فالموقف من الجالية اليهودية، في هذا السياق، لم يعد مجرَّد قضية أخلاقية أو تاريخية، بل هو – بوضوح – ركيزة من ركائز استراتيجيتها السياسية الأشمل.
كل هذا يفسّر الحذر الشديد الذي تُبديه «جورجا ميلوني» في هذه المرحلة في ما يخصّ انتقاد الحكومة الإسرائيلية بشكل مباشر أو علني. فهي تدرك أن أي موقف متسرِّع قد يهدِّد التوازن الدقيق الذي نجحت في بنائه – بصعوبة – مع الجاليات اليهودية في الداخل والخارج. ولهذا لا يبدو مستغربًا أن العديد من قيادات "إخوة إيطاليا" يعتبرون – بعيدًا عن الجدل السياسي الآني – أن المحافظة على هذه العلاقات هي أولوية استراتيجية، تفوق في أهميتها مناكفات اللحظة أو متطلبات الخطاب الإعلامي.
لكن هناك بُعدًا إضافيًا لا يمكن تجاهله: البعد الدبلوماسي المرتبط بالتحالفات السياسية العابرة للحدود. فَـ «ميلوني» لا تجمعها مع «بنيامين نتنياهو» فقط علاقات مؤسَّساتية، بل أيضًا تقاطعات أيديولوجية. فكلاهما يمثِّل تيار اليمين الراديكالي في الحُكم، وكلاهما يتمتع بصلات قوية – أو كان يتمتَّع بها – بالرئيس الأميركي «دونالد ترامب». ومما يزيد الموقف تعقيدًا أنَّ «ترامب» نفسه، الذي لطالما عبّر عن إعجابه بِـ «نتنياهو»، بدأ في الأسابيع الأخيرة يُبدي انزعاجًا متزايدًا من قراراته، في انعكاس لارتباك آخذ في التعمُّق داخل معسكر "اليمين السيادي" العالمي.
إنَّ احتمال تَصدُّع هذا المعسكر – أو على الأقل نشوب تناقضات داخلية حادَّة فيه – يُمثِّل أحد الأسباب الرئيسة التي تدفع «ميلوني» إلى التزام قدرٍ عالٍ من الحذر والتريُّث في مواقفها من التصعيد الإسرائيلي. فالمسألة لم تعد مجرَّد أزمة في قطاع غزة، بل باتت جزءًا من لعبة توازنات حسَّاسة داخل مشهد دولي تُعدَم فيه الأخلاق وتتقاطع فيه الأيديولوجيا الأخلاقية والإنسانية بالمصالح، والذاكرة التاريخية بالاستحقاقات السياسية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق