مداولات ما قبل "الكونكلاف": السياسة بلغة دينية
بدأت فعليًا أعمال "الكونكلاف" الجديد عبر ما يُعرف بـ"الاجتماعات العامّة"، وهي جلسات تمهيدية يحضرها جميع الكرادلة، وعددهم 252، بمن فيهم من تجاوزوا سن الثمانين ولا يحقُّ لهم التصويت، ويشارك فيها فعليًا 133 كاردينالًا لهم حق الانتخاب. تَشبه هذه الاجتماعات إلى حدٍّ بعيد المشاورات البرلمانية، حيث يُقدِّم كل كاردينال مداخلته بشأن تحديات الكنيسة ورؤيته لمستقبلها، في إطار من السرِّية التامَّة.
رواية نادرة: البابا فرنشيس يكشف من الداخل
في سابقة تاريخية، تحدَّث البابا «فرانشيسكو» عن تجربته داخل "الكونكلاف" في كتابين، "تَمنَّى!" و"الحياة"، ليجعل من "الكونكلاف" 2013 الحدث الأكثر توثيقًا من داخل أروقة الفاتيكان. أشار إلى أنه لم يرَ نفسه مرشَّحًا بارزًا بل مجرَّد "صانع ملوك"، قبل أن يلفت الانتباه بكلمة مرتجلة في إحدى الجلسات العامَّة، أثّرت في بعض الكرادلة الَّذين لم يكونوا يعرفونه جيِّدًا.
من التصويت الرمزي إلى اختيار البابا
في 12 مارس 2013، انطلقت أعمال "الكونكلاف" رسميًا بالقُدَّاس المعروف بإسم "لانتخاب البابا الروماني"، تلاه دخول الكرادلة إلى "كنيسة السيستينا" وأداء اليمين. في مساء اليوم نفسه، أُجريَ أوَّل تصويت، والذي غالبًا ما يكون رمزيًا، حيث يمنح الكرادلة أصواتهم لأشخاص يُقَدِّرونهم من دون نيَّة حقيقية لانتخابهم، بانتظار تبلور التوجُّهات الفعلية في الأيَّام التالية.
نقاشات خلف الأبواب المغلقة ومناورات اللحظات الأخيرة
بحسب رواية البابا «فرانشيسكو»، بدأ إسمُه يُطرَح بجدِّية خلال اليوم الثاني. طلب منه أحد الكرادلة نسخة من كلمته خلال الجلسات العامَّة، فقام بإعادة صياغتها في أربعة محاور تمحورت حول نقد الذات الكنسية، ومفهوم "الكنيسة الخارجة إلى الأطراف الوجودية"، وهو ما بات لاحقًا لبّ مشروعه البابوي.
روى «البرغوليو» كيف دُعي للجلوس مع عدد من الكرادلة الأوروبيين على مائدة الغداء، حيث وُجّهت له أسئلة دقيقة عن أمريكا اللَّاتينية وتاريخ الكنيسة فيها، ليكتشف لاحقًا أنَّه كان محلَّ اختبار غير مُعلَن.
فِخاخ سياسية... وسؤال عن الرِّئة المفقودة
كَحالِ أي انتخاب، لم تخلُ الأروقة من المناورات. فقد واجه «فرانشيسكو» شائعة عن فقدانه لرئة كاملة، ليردَّ: "حدث استئصال الفص العلوي فقط عام 1957 بسبب أكياس رئوية". أدركَ حينها أن التنافس اشتدَّ، وأنَّ فرصه بدأت تتبلور.
الانتخاب وتاريخ جديد للكنيسة
في الجولة الرابعة، حصل على 69 صوتًا من أصل 77 المطلوبة. في الجولة الخامسة، حصل ارتباك بسبب ورقة زائدة، ما استدعى إعادة التصويت. عند الفرز، نُطق بإسمه للمرة الـ77: لحظة انتخابه رسميًا كخليفة لِـ «بطرس».
بعد قبوله الانتخاب واختياره إسم «فرانشيسكو»، خرج إلى شرفة كنيسة القديس بطرس ليُعلن بابا للكنيسة الكاثوليكية أمام العالم. ثم عاد ليتقاسم العشاء مع الكرادلة، حيث رفع نخبًا قال فيه مبتسمًا: "ليغفر الربُّ لكم!"
الشفافية كخيار شخصي... وغياب بارز عن الكونكلاف الجديد
جاءت تلك الشفافية من البابا «فرانشيسكو» كجزء من نهج اتِّصالي يسعى لتقريب الكنيسة من النَّاس، وكشف آلياتها الدَّاخلية. موقف يميّز «فرانشيسكو»، الذي كان في كونكلاف 2005 بين أبرز المرشَّحين بعد البابا «بِنِديكتو السادس عشر»، وإن بقي ذلك سرًّا.
جدير بالذكر أنَّ الكاردينال «أنجلو بيتشّو»، الذي كان حاضرًا في كونكلاف 2013، أعلن مؤخَّرًا عن أنَّه لن يشارك في الكونكلاف الجديد، بعد سحب حقوقه الكاردينالية عام 2020 إثر فضيحة مالية، وإدانته لاحقًا بتهمة اختلاس الأموال.