بدعوة منها، تنتقل كاتبة المقال الأصلي «مويرا أمارجي» - وهو إسم مستعار تستخدمه عندما تكتب تقارير عن فلسطين أو من داخل المسيرات ولحظات الصراع الاجتماعي المعرضة للقمع - إلى منزل العائلة، حيث جدران الصالون مغطاة بصور شباب، معظمهم قضوا نحبهم، بعضهم حاملين السِّلاح، وبعضهم بملابس مدنية، وأحدهم هو «إبراهيم»، الذي تقول عائلته إنَّ جنود الاحتلال حاولوا اغتياله خلال عملية مداهمة للمنزل.
محاولة اغتيال واعتقال دامٍ
يروي الوالد، «أحمد»، تفاصيل اقتحام منزلهم: "فجَّروا الباب، وأطلقوا النار بعشوائية. أرادوا قتل الجميع". نجا «إبراهيم» بالقفز من نافذة غرفة الجلوس، بينما قُتل صديقاه «سامر» و«حمزة». الفيديو الذي صوَّره جنود الاحتلال بأنفسهم يُظهر «إبراهيم» مستسلِمًا، واقفًا أمام الجدار، قبل أن يُصاب بخمس رصاصات في الظهر والساقين.
بعد أيام فقط من الإصابة، نُقل إلى السجن من دون تلقِّي علاج كافٍ، بحسب العائلة، التي تقول إنَّهم لا يعرفون ما إذا كان قادرًا على المشي حتَّى اليوم.
![]() |
«أماني» أمام جدار الشهداء (تصوير «مويرا أمارجي»، كاتبة المقال في نسخته الأصلية) |
وفقًا لتقرير نشرته منظمة "بتسيلم" الحقوقية الإسرائيلية في ديسمبر 2024، فإنَّ ما يجري في السُّجون الإسرائيلية، بالأخص بعد 7 أكتوبر، يمثِّل منظومة ممنهَجة من التعذيب وسوء المعاملة، بما في ذلك الضَّرب، التجويع، العزل، الاعتداءات الجنسية، وحرمان الأسرى من الرعاية الطبِّية.
وقد توفي منذ ذلك التاريخ حتى اليوم، وفقًا لبيانات موثَّقة، 63 معتقلًا فلسطينيًا على الأقل داخل السُّجون الإسرائيلية، جرَّاء التعذيب أو الإهمال الطبي.
الفن ممنوع والرزق مصادَر
«أحمد»، والد «إبراهيم»، فنَّان ورسَّام بارع، كان يعمل في الدَّاخل المحتَل، في ما يُسمِّيه الفلسطينيون "الـ48"، نسبةً إلى أراضي فلسطين التي أُعلن فيها عن قيام إسرائيل عام 1948. لكن منذ اعتقال إبنه ومقتل إبن شقيقه، سُحب منه تصريح العمل، وهو ما تقول العائلة إنَّه "عقوبة جماعية" تمارسها إسرائيل بحق أهالي المقاومين.
"لم أبع لوحة منذ عامين"، يقول «أحمد» بأسى، مشيرًا إلى لوحة يدوية وضعها على الكرسي: "هذا «جهاد»، كان كإبني تمامًا".
جهاد شهيد في كمين النهار
«جهاد شحادة»، الذي نشأ في منزل «أحمد» وعُد فردًا من العائلة، كان أحد قادة مجموعات الرَّد السَّريع في "كتيبة طولكرم" التابعة لكتائب شهداء الأقصى. قُتل في كمين نُفِّذ نهارًا في "مخيَّم طولكرم"، عندما أطلقت وحدة إسرائيلية خاصة النَّار على سيارته، ما أدَّى لمقتله مع ثلاثة أخرين، بينهم طفل أصيب خلال إطلاق النار.
«جهاد» أصيب بـ68 رصاصة، وفقًا لما رواه والده في مقابلة مع قناة "الجزيرة"، مؤكِّدًا أنَّ رأس إبنه كان مشوَّهًا تمامًا: "اضطررتُ أنا والطبيب إلى تعبئته لكي نتمكن من التعُرّف عليه. لم يكن هناك حتَّى عيناه".
جيل نشأ في ظل الاحتلال والمجازر
تؤكِّد عائلة «جهاد» أنَّه كان شابًا هادئًا، محبًّا للأطفال، ومعيلًا لأسرته. ترك دراسته بعد إطلاق سراح والده من السجن، وبدأ العمل داخل الخط الأخضر بشكل غير قانوني لإعالة عائلته. تم اعتقاله عدة مرات بين عمر العشرين والرابعة والعشرين، وفي النهاية، أصبح "شهيدًا"، بحسب وصف أقاربه.
يقول والده: "الأطفال الذين يكبرون وهم يرون القصف والاعتقالات والقتل، لا يمكن إلا أن ينضموا للمقاومة".
نظرة مزدوجة: مقاوم أم إرهابي؟
في الرواية الإسرائيلية والغربية، يُوصَف الشباب الفلسطيني المنتمي للمقاومة بأنَّهم "إرهابيون"، لكن في الرواية الفلسطينية، هم "مناضلون من أجل التحرير". وتُعد قصة «إبراهيم» و«جهاد» مثالًا على شباب نشؤوا في بيئة محاصَرة بالقمع والحرمان، واختاروا حمل السلاح دفاعًا عن قضيتهم.
شهادات من داخل العائلة: ألمٌ وصمود
«نور»، إبنة عم «جهاد»، تسرد بحزن كيف قضى آخر أيامه نائمًا في السيارات أو على الأرصفة خوفًا من اقتحام مفاجئ يودي بحياة أسرته. "كان يعلم أنهم سيأتون لقتله، لكن لم يتوقَّع أن يقتلوا ثلاثة أخرين معه". تضيف: "كان يساعدني ماديًا بعد أن تركني زوجي. كان إنسانًا نبيلًا، محبوبًا من الأطفال".
وتختم كلامها برجاء: "أرجوك، أخبر قصته في إيطاليا. كان بطلاً. مات من أجل تحرير أرضه. لا تنسه".
الوضع في إيطاليا: موقف رسمي وشعبي من القضية الفلسطينية
إيطاليا، شأنها شأن دول الاتحاد الأوروبي، تعترف بإسرائيل كدولة، لكنَّها لم تعترف رسميًا بدولة فلسطين. إلَّا أنَّ عام 2024 شهد تحوُّلًا ملحوظًا في الرأي العام، حيث نُظِّمت آلاف التظاهرات في روما وميلانو ونابولي دعمًا لغزة وضد الهجمات الإسرائيلية.
منظمات المجتمع المدني، وعلى رأسها جمعيات مثل ARCI وAssopace Palestina، نظّمت رحلات تضامن إلى الضفة الغربية، وزيارات لأهالي الأسرى. كما تعمل مجموعة برلمانية إيطالية غير رسمية على تقديم مشروع قانون يعترف رسميًا بدولة فلسطين، ويطالب بإيقاف مبيعات الأسلحة لإسرائيل.
خاتمة: لا يمكن قتل الفكرة
تروي هذه القصة اليومية في "طولكرم" كيف أنَّ الألم لا يُخمد الإرادة، وكيف تنبت المقاومة في البيوت المتَّشحة بالحداد. «جهاد» و«إبراهيم» ليسا استثناءً، بل هما صوتان من آلاف الأصوات في فلسطين المحتلة، حيث المقاومة فعل بقاء، أكثر من كونه فعل قتال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق