وفي خطوة احترازية، بدأت الولايات المتحدة بإجلاء عائلات موظَّفيها الدبلوماسيين من سفاراتها في العراق، البحرين، الكويت، الإمارات، وقطر، تحسُّبًا لأي تصعيد عسكري قد تَقْدِم عليه إيران، سواء ضدَّ المصالح الأميركية المباشرة أو ضد دول الخليج العربية.
كما أصدرت البحرية البريطانية تحذيرًا للسُّفن العابرة في الخليج العربي وخليج عمان و "مضيق هرمز"، مطالبةً بتوخِّي الحذر في ظل تصاعد التوتُّرات الأمنية والعسكرية في المنطقة.
توقعات بضربة عسكرية
تحرُّكات الإدارة الأميركية تشير إلى استعداد جاد لعمل عسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية. ويبدو أن واشنطن تدرس خيارين: إما توجيه ضربة مباشرة لإيران أو استخدام إجراءات الإجلاء والتهديد كوسيلة ضغط أخيرة قبل اللُّجوء للحسم العسكري. ووفقًا لمراقبين، فإنَّ نسبة فشل المفاوضات باتت مرتفعة جدًّا، وقد لا يبقى أمام إدارة «ترامب» سوى الخيار العسكري.
إيران تستنفر... والصين تدخل على الخط
الرد الإيراني تمثَّل في إعلان حالة التأهُّب القصوى في صفوف الحرس الثوري والجيش، بالتزامن مع تحرُّكات عسكرية بارزة، أبرزها وصول قائد القوة الجوية في الحرس الثوري إلى محافظة "كرمنشاه"، حيث تنتشر الصواريخ الباليستية الإيرانية.
من جانب أخر، دخلت الصين على خط الأزمة كلاعب دولي مؤثِّر، في ظل معلومات متداولة عن دعم صيني محتمل لطهران، سواء عبر الدَّعم المالي أو بإبرام اتِّفاقيات استراتيجية بعيدة المدى قد تشمل وجودًا عسكريًا صينيًا على الأراضي الإيرانية.
رسائل متبادلة وتهديدات غير مباشرة
فيما يبدو أنه تبادل للرسائل الحادَّة، قال وزير الدفاع الإيراني إنَّ أي اعتداء أميركي سيجعل الولايات المتحدة مضطرَّة لمغادرة المنطقة. في المقابل، لَمَّح «ترامب» إلى أن بلاده لن تتردَّد في التحرُّك، واصفًا الإجراءات الأخيرة بأنها "ستكشف الأيام القادمة حقيقتها"، في إشارة إلى جدية نوايا واشنطن.
وتحدثت تقارير عن أن إيران استغلت فترة التفاوض لحفر أنفاق وإخفاء المعدَّات النووية الحسَّاسة، في محاولة لتقليل فعالية أي ضربة عسكرية محتملة. وتشير مصادر غربية إلى أنَّ طهران لم تراهن على نجاح المفاوضات، بل على الصمود واستمرار برنامجها النووي تحت الأرض، مدعومة بدعم اقتصادي محتمل من الصين.
انقسام في النهج الأميركي
التحليل السياسي يشير إلى أنَّ إدارة «ترامب» تختلف جذريًا عن إدارة «بايدن» في التعامل مع إيران. ففي حين تبنَّت إدارة «بايدن» نهجًا تصالحيًا، عاد «ترامب» إلى الضَّغط الأقصى، من دون أن يُظهر نيَّة لإسقاط النِّظام الإيراني، بل يسعى إلى احتوائه وإدخاله في منظومة النفوذ الأميركي. وهذا ما تعتبره طهران "أقل الضررين" مقارنةً بخسارة النظام بالكامل.
سيناريوهات محتملة
السيناريو المرجح حاليًا هو عمل عسكري محدود، يهدف إلى تدمير قدرات إيران النووية من دون تغيير النظام. ومع ذلك، يُحذر محلِّلون من أن أي ضربة أميركية قد تؤدِّي إلى رد إيراني يستهدف دول الخليج، ما ينذر باتِّساع دائرة النزاع في المنطقة.
أما السيناريو الأكثر خطورة، فهو تحالف عسكري إيراني-صيني طويل الأمد، قد يفضي إلى وجود عسكري صيني في الخليج، ما سيؤدِّي إلى تحوُّل جذري في ميزان القوى، وقد يهدِّد مستقبل اتفاقية "البترو-دولار" ويُضعف الاقتصاد الأميركي على المدى الطويل.
الخلاصة
المنطقة تقف اليوم على حافة مواجهة كبرى. الولايات المتحدة تستعد، وإيران تتحدَّى، والصين تراقب وتدخل بثقلها. وفي ظلِّ غياب حل سياسي فعّال، يبدو أنَّ الشرق الأوسط مُقبِل على مرحلة جديدة قد تعيد رسم خارطته الجيوسياسية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق