حسن أمحاش: إيران كساحة اختبار.. هل تشارك الصين في الحرب بشكل غير مباشر؟ - الإيطالية نيوز

إعلان فوق المشاركات

حسن أمحاش: إيران كساحة اختبار.. هل تشارك الصين في الحرب بشكل غير مباشر؟

حسن أمحاش: إيران كساحة اختبار.. هل تشارك الصين في الحرب بشكل غير مباشر؟

وسط التصعيد المستمر بين إيران وإسرائيل، تبرز تساؤلات استراتيجية عميقة تتجاوز حدود الشرق الأوسط، وتتمدَّد نحو بكين وواشنطن. فهل ما يجري في إيران اليوم هو مجرَّد صراع إقليمي، أو أنَّ المنطقة باتت مسرحًا لحرب بالوكالة بين القوتين العظميين في العالم: الصين والولايات المتحدة؟


في ظل التوتُّرات المتصاعدة، تظهر مؤشِّرات قوية على أن الصين ربما بدأت، أو على الأقل تفكر جديًا، في إمداد إيران بالأسلحة، سواء بصورة مباشرة أو عبر قنوات غير رسمية. الفرضية التي يطرحها مراقبون استراتيجيون تفيد بأن الصين تنظر إلى الحرب الجارية كـ"مناورة حية"، تتيح لها اختبار أسلحتها في مواجهة التكنولوجيا الغربية، دون أن تتورط بشكل مباشر في حرب شاملة.


بمعنى أخر، إيران قد تكون بالنِّسبة للصين ميدان تدريب مفتوح، تختبر فيه قدرات أسلحتها، لكي تكشف عن نقاط الضُّعف فيها، وتُعدِّل تكتيكاتها، قبل تنفيذ تحرُّكات أكثر حساسية في ملفاتها الخاصَّة، لا سيما ملف تايوان والعراقيل الاستراتيجية التي تبطئ سرعة "طريق الحرير".


وإذا نظرت إلى ما يجري في منطقة الشرق الاوسط اليوم، من زاوية جيوسياسية، فإن الحرب الإسرائيلية-الإيرانية تخدم، في المقام الأوَّل، هدفًا مهمًّا للصين: إشغال الولايات المتحدة، وإرباك تحرُّكاتها في شرق آسيا، حيث تنوي بكين تكثيف ضغوطها على تايوان. وفي حال واصلت واشنطن استنزاف مواردها العسكرية والدبلوماسية في الشرق الأوسط، فإنَّ هذا سيمنح الصين نافذة استراتيجية للتح


رُّك.


دعني أذكر بأنَّ القيادة الصينية، بحسب التصريحات الرَّسمية وغير الرَّسمية، لا تخفي دعمها للنظام الإيراني، بل وتعتبره عنصرًا حاسمًا في مشروع "الحزام والطريق"، ومصدرًا حيويًا للنفط والغاز الذي تعتمد عليه الصناعة الصينية. الحفاظ على استقرار إيران، إذًا، ليس مسألة تعاطف أيديولوجي، بل ضرورة اقتصادية واستراتيجية.


تشير تقارير متعدِّدة، بينها ما نُشر في وسائل إعلام تركية وصينية، إلى رحلات جوية مشبوهة لطائرات شحن يُشتبه في أنَّها نقلت معدَّات من الصين إلى طهران. ورغم أنَّ البعض اعتبرها مجرَّد أخطاء في تحديد المواقع، فإنَّ حجم التغطية، وتوقيت هذه الرحلات، يثيران الشكوك حول نوايا الصين الحقيقية. الأخطر من ذلك، ما ورد في تصريحات مسؤولين صينيين ونشرتها صحيفة "غلوبل تايمز"  الحكومية، الذين أكَّدوا على أنَّ بكين "لن تسمح بسقوط النظام الإيراني". كما حذَّرت الخارجية الصينية علنًا من أن "الشرق الأوسط سيكون أوَّل من يعاني" في حال تطور الصراع، في لهجة تحمل طابع التهديد الضِّمني أكثر من كونها مجرَّد تحذير دبلوماسي.



وسط هذا المشهد الجيوسياسي المعقَّد، تتردَّد بعض النقاشات الشعبية في منطقتنا إلى ثنائية ساذجة: "هل أنت مع إيران أم مع إسرائيل؟". وهو طرح لا يخدم إلَّا إضعاف الوعي السياسي والاستراتيجي. المسألة لا تتعلَّق بـ"الاصطفاف الأخلاقي"، بل بفهم أين تكمن مصالحنا كدول وشعوب عربية؟ ومن يستثمر في هذا الصراع؟ ومن يُقرِّر متى يبدأ أو ينتهي؟ والجواب هو أنَّ الصين، ببراغماتيتها المعروفة، لا تدعم إيران حُبًّا لها، بل لأنَّها ورقة ثمينة في مواجهة الغرب، ومفتاح استراتيجي للطاقة ولمشروع توسُّعها العالمي. وإيران، من جهتها، ترحب بالدعم الصيني طالما يمنحها فرصة للبقاء والمواجهة، حتَّى لو كان الثمن هو أن تتحوَّل إلى ساحة اختبار لتكنولوجيا عسكرية عابرة للقارّات.


في نظري، ما لا يدركه كثيرون هو أن إيران، بتركيبتها الجغرافية والسياسية، تمثِّل عقدة استراتيجية في طريق مشروع الصين للسيطرة الاقتصادية على أوراسيا. فالصين، التي تعتمد في 98% من صادراتها على النقل البحري، لا تملك موانئ مباشرة تطل على البحار المفتوحة غربًا. لذلك، تعتبر إيران بموانئها وموقعها البري الرَّابط بين آسيا الوسطى والعالم العربي، أحد أهم المعابر الحيوية لطريق الحرير الجديد. من هنا، فإن سقوط النظام الإيراني لا يعني فقط خسارة دولة حليفة لمحور المقاومة أو خصم تقليدي لإسرائيل، بل يعني أيضًا أن الولايات المتحدة قد تتمكن من خنق مشروع الصين الاستراتيجي، وقطع خطوطها مع العراق وسوريا ولبنان، بل ومع الجزيرة العربية. لذا، فإنَّ بكين لن تقف مكتوفة الأيدي في حال تعرُّض النظام الإيراني لهزَّة تهدِّد استقراره أو تقطُّع امتداده الجغرافي.


تضع الصين في حساباتها منطقة آسيا الوسطى، باعتبارها امتدادًا طبيعيًا لنفوذها، خاصة في ظل تراجع الدور الروسي بعد حرب أوكرانيا. الجيوش الصينية بدأت فعلاً ببسط نفوذها في طاجيكستان، وربَّما تتوسَّع نحو قرغيزستان، أوزبكستان وتركمانستان، في تحرُّك يبدو أنه لن يلقى معارضة كبيرة من موسكو، التي تواجه مأزقًا تاريخيًا بعد انكشاف ضعف جيشها أمام الغرب.


باكستان، برغم حجمها السكاني الضخم، تبدو عاجزة عن أداء أي دور استراتيجي. دولة بلا حضور دولي حقيقي، ولا حتَّى زعيم معروف على المستوى الشعبي العالمي، مقارنة بتركيا مثلًا، التي لا تزال تحظى بحضور قيادي وشخصية عسكرية قوية. أما باكستان فهي في وضع هش يسمح بسهولة باحتلالها – كما يرى بعض المراقبين – في ظرف ساعات، ما يمنح الصين منفذًا مباشرًا إلى المحيط الهندي عبر ميناء جوادر.


للأسف، بينما تتصارع القوى الكبرى على الأرض، نجد خطابًا شعبيًا ساذجًا في المنطقة العربية، يصور المعركة بين إيران وإسرائيل على أنها صراع ديني صرف، من دون إدراك للمصالح الكبرى التي تدور خلف الكواليس. الحقيقة أن لا إيران ستمنح الشعوب العربية حرية، ولا إسرائيل ستوزع البسكويت في حال انتصرت. الشعوب في هذه المنطقة تُستخدم كوقود لصراع القوى الكبرى، من دون أن يكون لها موقع مؤثِّر على طاولة القرار.


حتى هنا، دعني ارسم بعض الخطوط العريضة عن الجيش الأمريكي، هذا الأخير، رغم تفوُّقه التكنولوجي، قد يعاني من مأزق استراتيجي خطير في حال قررت الصين شن هجوم بري واسع النطاق. الصين قادرة – من حيث العدد على الأقل – على نقل ملايين الجنود برًا عبر باكستان وإيران، ما قد يهدِّد الوجود الأمريكي في الخليج. لذا يرى بعض الاستراتيجيين ضرورة تشكيل "حائط صد" يبدأ من أفغانستان وباكستان، ويمتدُّ إلى العراق وسوريا، لوقف التمدُّد الصيني المحتمل. لذا، قد تفكر واشنطن في دعم طالبان وتسليحها من جديد لكي تعود للواجهة كخيار اضطراري، رغم رفض أغلب الدول الإسلامية الاعتراف بحكومتها حتّى الآن. كما أن تسليم مسؤولية العراق لتركيا قد يكون أحد الحلول الواقعية لموازنة النفوذ الصيني، خاصة أن تركيا تملك جيشًا قويًا وصناعات عسكرية متقدِّمة وشعبًا ذا طبيعة قتالية.


كل هذه المؤشرات تدل على أن العالم يقترب من حرب كبرى، قد تكون نووية، وقد تقتل مئات الملايين، بل وربَّما أكثر. تصريحات مثل تصريح الشيخ «أحمد ياسين» الذي تنبأ بنهاية إسرائيل في 2027، أو ما صرح به وزير الدفاع الأمريكي بأن الصين ستغزو تايوان في العام نفسه، ليست مجرد تكهنات بل تعكس قراءات داخل دوائر صنع القرار.


إن وقوع مواجهة عالمية جديدة لم يعد مستبعدًا، بل بات مسألة وقت، لا سيما مع تسارع الأزمات الإقليمية وتعدد بؤر التوتُّر العالمي. وإذا لم تسارع الولايات المتحدة لإعادة ترتيب أوراقها في آسيا والشرق الأوسط، فإنَّ الصين قد تفرض واقعًا جيوسياسيًا جديدًا يعيد رسم الخريطة العالمية كما لم يحدث منذ الحرب العالمية الثانية.


وهنا أختم، لأنبه لامر جلل أتمنى ألا يحدث، لأن المنطقة تمرُّ بمنعطف حرج. إنها على فوهة بركان يغلي جوفه.  الصراع لم يعد بين إيران وإسرائيل، بل بين قوى دولية كبرى تتصارع على مصادر الطاقة، طرق التجارة، والنفوذ العالمي. الشعوب العربية لا تملك ترف الانحياز الأيديولوجي الأعمى. المطلوب وعي استراتيجي يدرك أن القادم أخطر، وأن الدول العظمى لا ترحم، ولا تتحرك بدافع الأخلاق، بل بدافع المصالح.


سيرة ذاتية مختصرة
حسن أمحاش، خرِّيج قسم اللغات والآداب الحديثة من جامعة تورينو. يهتم بشكل رئيسي بالجيوسياسية، مع التركيز بشكل خاص على الديناميكيات الدولية وعلاقات القوة العالمية. يُعرف بمقالاته النقدية والتحليلية حول السياسات الدولية، خاصة تلك المتعلقة بالصراعات الدولية. تُنشر مقالاته في موقع "الإيطالية نيوز" الناطق بالعربية، والذي يركز على شؤون الجاليات العربية والمسلمة في إيطاليا وأوروبا، بالإضافة إلى التطورات السياسية والاقتصادية والثقافية ذات الصلة بالعالم العربي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان اسفل المشاركات

كن على أتصال

أكثر من 600,000+ متابع على مواقع التواصل الإجتماعي كن على إطلاع دائم معهم

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

جرائم قتل النساء في إيطاليا