وجاء هذا الاعتراف في وقت تتصاعد فيه المخاوف التي أثارها نشطاء ومنظمات من المجتمع المدني بشأن إمكانية استخدام هذه التقنيات لاستهداف المدنيين الفلسطينيين في غزة. وفي ردها، أكدت مايكروسوفت أن تحقيقات داخلية لم تُثبت وجود أدلة على استخدام تقنياتها لأغراض عسكرية أو لإلحاق الضرر بالمدنيين. لكنها في الوقت ذاته أقرت بعدم امتلاكها قدرة على تتبع كيفية استخدام عملائها لبرمجياتها على خوادمهم أو أجهزتهم الخاصة، الأمر الذي يترك الباب مفتوحًا أمام احتمالات مغايرة.
علاقة متشابكة مع الأجهزة الإسرائيلية
تُظهر الشواهد أن التعاون بين مايكروسوفت والحكومة الإسرائيلية وأجهزتها الاستخباراتية أعمق وأكثر تشعبًا مما قد يُتصوّر، إلى درجة يصعب فيها رسم حدود واضحة بين الطرفين. وتُعدّ تل أبيب مركزًا متقدمًا في مجالات الابتكار التكنولوجي، وقد أشاد المؤسس بيل غيتس خلال مشاركته في فعالية أقيمت عام 2016 بمركز البحث والتطوير التابع لمايكروسوفت في إسرائيل، بالتطورات التي تقودها إسرائيل في مجالات التحليل الأمني، معتبرًا إياها "تحسّن العالم".
وخلال السنوات الماضية، استحوذت مايكروسوفت على العديد من الشركات الناشئة الإسرائيلية التي أسسها ضباط سابقون في وحدات الاستخبارات التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي. كما تُوظف الشركة ما لا يقل عن ألف موظف إسرائيلي، بينهم عدد من قدامى عناصر القوات الخاصة، بحسب تحقيق نشره موقع The Grayzone الاستقصائي، وأكدته مصادر مثل Jewish Virtual Library، التي أشارت إلى أن مايكروسوفت أسّست عام 2006 مركزًا بحثيًا استراتيجيًا في إسرائيل، يُعدّ واحدًا من ثلاثة مراكز رئيسية على مستوى العالم.
وشملت عمليات الاستحواذ الإسرائيلية شركات مثل Adallom، وAorato، وSecure Island المتخصصة في حماية البيانات، فضلًا عن شركة Oribi التي تعمل في تحليل وتتبع بيانات الإنترنت، والتي أسستها ضابطة سابقة في الاستخبارات الإسرائيلية.
تساؤلات حول دور تقنيات مايكروسوفت في الحرب
على ضوء هذه المعطيات، يُصبح من الصعب تصديق مايكروسوفت في نفيها استخدام تقنياتها في العمليات العسكرية ضد سكان غزة. فبحسب مجلة +972 المستقلة، يعمل موظفون من مايكروسوفت عن قرب مع وحدات عسكرية إسرائيلية لتطوير أنظمة ومنتجات، ويبقون أحيانًا منخرطين لعدة أشهر داخل وحدات الجيش الإسرائيلي. وتفيد المجلة بأن عشرات الوحدات العسكرية حصلت على ما يُعرف بـ"خدمات الهندسة الموسّعة" من مايكروسوفت، وهي خدمات تجعل خبراء الشركة جزءًا مدمجًا في فرق العمل الميدانية.
ارتفاع حاد في استخدام الذكاء الاصطناعي خلال الحرب
وفي تحقيق مشترك أجرته كل من صحيفة The Guardian ومجلة +972 وهيئة Local Call، استنادًا إلى وثائق حصل عليها موقع Drop Site News، كُشف أن الجيش الإسرائيلي ضاعف استخدامه الشهري لتقنيات الذكاء الاصطناعي من مايكروسوفت بمقدار سبعة أضعاف في أكتوبر 2023 مقارنة بالشهر السابق، ليرتفع هذا الرقم إلى 64 ضعفًا بحلول مارس 2024.
ورغم أن الوثائق لا تحدد كيفية استخدام هذه الخدمات، إلا أنها تُظهر أن نحو ثلث المشتريات خُصصت لأنظمة "مغلقة" غير متصلة بالإنترنت (air-gapped)، مما يعزز فرضية استخدامها لأغراض عملياتية مباشرة، كالمراقبة والاستهداف، وليس فقط لأغراض إدارية.
تقنيات مايكروسوفت في نظام المراقبة والتمييز
كشفت الوثائق كذلك أن منصة "Rolling Stone" التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي لإدارة سجلّات السكان الفلسطينيين وتتبُّع تحرُّكاتهم في الضفة الغربية وغزة، تعتمد على منصة Azure من مايكروسوفت. ويرى مراقبون أن العلاقة بين إسرائيل ومايكروسوفت تمثل أحد أبرز أمثلة التقاطع بين التكنولوجيا والسلطة والثروة، حيث تُستخدم أدوات تكنولوجية متقدمة ليس فقط لتعظيم الأرباح، بل أيضًا لدعم مشاريع استعمارية وممارسات توصف بـ"الفصل العنصري" و"التطهير العرقي".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق