وتجري الانتخابات وسط ضعف الوعي العام بها، بسبب تعقيد القواعد المُنظِّمة لها، وتَشتُّت الحملة الانتخابية، إلى جانب العدد الهائل من المرشَّحين الذي بلغ 7,773 مرشَّحًا يتنافسون على 2,681 منصبًا، ما يُرجِّح انخفاض نسبة المشاركة.
وتضُمُّ المكسيك نحو 7,000 منصب قضائي، بينما ستُجرى الانتخابات على بقيَّة المناصب عام 2027. وقد بادر الرَّئيس السابق، «أندريس مانويل لوبيز أوبرادور»، بطرح الإصلاح، وتابعته في تنفيذه خلفه، الرئيسة الحالية «كلوديا شينباوم»، وكلاهما من حزب "مورينا". وكان «لوبيز أوبرادور» كثيرًا ما يصطدم مع السُّلطة القضائية، التي عطَّلت عددًا من مشاريعه الإصلاحية، ما جعل هذه الخطوة تُفسِّر كوسيلة لـ"تسييس" القضاء وإخضاعه لرقابة سياسية، رغم ترويج مؤيِّدي الإصلاح لها على أنَّها خطوة لمحاربة الفساد وتعزيز الشفافية.
في السابق، كانت التعيينات القضائية تستند إلى المؤهِّلات الأكاديمية وسنوات الخبرة، على غرار ما هو معمول به في دول أخرى. لكن في هذه الدورة، تم اللجوء إلى القرعة لاختيار المناصب المعنية بالانتخابات، والتي تشمل 881 قاضيًا اتحاديًا. وبلغ عدد المتقدِّمين قبل القرعة نحو 50 ألف شخص، لكن معظمهم لم يستوفوا الشُّروط المطلوبة، والتي تشمل الحصول على شهادة في القانون، وخبرة لا تقلُّ عن خمس سنوات، وتقديم مقال ورسائل تزكية من خمسة أشخاص.
وجرى اختيار المرشَّحين في عملية اتَّسمت بالغموض، أشرفت عليها لجان محلِّية خاضعة لتأثير كبير من الحكومة والبرلمان، حيث يتمتَّع حزب "مورينا" بأغلبية ساحقة. وقد أفرزت العملية بعض الأسماء المثيرة للجدل، بينها محاميان سابقان متورِّطين في تجارة المخدِّرات، أحدهما على صلة بتهديدات ضدَّ صحفيين قُتلوا لاحقًا، بالإضافة إلى شخصين سبق اعتقالهما بتهمة تهريب مادَّة "الميثامفيتامين"، وأحدهما سُجن في الولايات المتحدة.ورغم نفي حزب "مورينا" وتَحجُّجه بـ"أخطاء بشرية"، فإنَّ استبعاد هؤلاء المرشَّحين لن يحدث إلَّا بعد انتهاء الانتخابات، حيث ستُراجع "الهيئة الوطنية للانتخابات" (INE) فقط ملفات المرشَّحين الحاصلين على أعلى عدد من الأصوات.
وقال المحامي الجنائي «ألبرتو زينسر» لصحيفة "نيويورك تايمز" إنَّ "المشكلة لا تكمن في الأسماء المعروفة التي سلَّطت وسائل الإعلام الضَّوء عليها، بل في آلاف المرشَّحين المجهولين الذين سنُدعى للتصويت لهم". ووفقًا لاستطلاع استشهدت به الرئيسة «شينباوم»، فإنَّ %23 فقط من المواطنين يعرفون شيئًا عن المرشَّحين، الذين هم، في المقابل، مجهولون عند معظم الناس.
وقد أنشأت الحكومة منصة إلكترونية لتسهيل معرفة المرشَّحين، لكن قواعد الحملة الانتخابية لم تساعد في رفع الوعي العام. فقد مُنع المرشَّحون من الكشف عن ميولهم السياسية، رغم تجاهل العديد منهم لهذا الحظر، خاصة من كانوا مقرَّبين من حزب "مورينا"، الذي قدّم في بعض الحالات توصيات علنية بالتصويت.
وتُدار الحملة الانتخابية بموارد شخصية فقط، إذ يُسمح لكل مرشَّح بإنفاق ما لا يزيد عن 220 ألف بيزوس (نحو 10 آلاف يورو)، بصرف النظر عن أهمية المنصب، سواء كان في المحكمة العليا أو في محكمة محلية. وللمقارنة، فإنَّ الحدَّ الأقصى للإنفاق في الحملات السياسية يبلغ 2.2 مليون بيزوس (نحو 100 ألف يورو).
كما حُظر تنظيم المهرجانات الانتخابية الكبرى أو شراء مساحات إعلانية في وسائل الإعلام التقليدية، ما دفع المرشَّحين لِلُّجوء إلى الحملات عبر الإنترنت، وطرق أبواب المنازل، أحيانًا بأساليب غير معتادة؛ مثل أحدهم الذي استخدم تطبيق المواعدة "تيندر" للدعاية، وأخر شبّه نفسه بطبق شعبي من جلد الخنزير المقلي، ليُلقَّب إعلاميًا بـ"القاضي شيشارّون"، في حين أطلقت إحدى المرشَّحات على نفسها لقب "دورا المُحوِّلة" في إشارة ساخرة إلى شخصية كرتونية وشعار سياسي شهير لـ"التحوُّل الرابع" الذي أطلقه «لوبيز أوبرادور».
لكن جهود الدعاية الفردية تصطدم بنظام تصويت معقد. فبعكس الانتخابات السياسية، لا تظهر رموز الأحزاب على بطاقات الاقتراع، بل يتعيّن على الناخبين كتابة رقم المرشَّح. ويُفترض أن يملأ الناخب ست بطاقات مختلفة، كل منها بلون يرمز إلى فرع من فروع السلطة القضائية الفيدرالية (مدني، جنائي، إداري).
وفي 19 ولاية من أصل 32، تُجرى أيضًا انتخابات للقضاء المحلي، ما يرفع عدد البطاقات الانتخابية. ففي العاصمة "مكسيكو سيتي"، مثلًا، يتسلَّم الناخب تسع بطاقات، ويُطلب منه اختيار نحو 50 مرشَّحًا من أصل 300، في عملية تُقدِّر هيئة الانتخابات أنها قد تستغرق بين 8 و14 دقيقة لكل ناخب.
وسيتم فتح عدد أقل من مراكز الاقتراع مقارنة بالانتخابات السابقة، حيث خُصص 84 ألف مركز فقط، مقابل 170 ألفًا في الانتخابات الرئاسية الماضية، وذلك بسبب تقليص الحكومة للميزانية المخصصة للهيئة الانتخابية إلى النصف. وستُعدّ الأصوات يدويًا، ولن تُجرى استطلاعات خروج أو توقُّعات للنتائج، التي يُنتظر إعلانها بدءًا من 15 يونيو.
وقالت «كارين زيسيس»، مديرة موقع "مجلس الأميركتين" البحثي، لوكالة "أسوشيتد برس": “لم نشهد شيئًا كهذا من قبل. المكسيك تجري تجربة غير مسبوقة، ولا أحد يعلم ما ستكون نتيجتها.”
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق