إيطاليا: تأكيد إدانة إثنين من الكارابينيري في قضية الاعتداء على السجين «كوكّي» حتّى الموت - الإيطالية نيوز

إعلان فوق المشاركات

إيطاليا: تأكيد إدانة إثنين من الكارابينيري في قضية الاعتداء على السجين «كوكّي» حتّى الموت

إيطاليا: تأكيد إدانة إثنين من الكارابينيري في قضية الاعتداء على السجين «كوكّي» حتّى الموت

الإيطالية نيوز، السبت 21 يونيو 2025 – أكثر من 15 عامًا مرت على وفاة الشاب الإيطالي «استيفانو كوكّي»، ولا تزال أصداء تلك المأساة تهزُّ الضَّمير القضائي والسياسي في إيطاليا. فالقضية لم تعد فقط قصة مواطن تعرَّض للتعذيب حتّى الموت على يد من يُفترَض أنهم حماة القانون، بل تحوَّلت إلى مرآة قاسية تعكس ما يمكن أن يحدث عندما تتغوَّل المؤسَّسات الأمنية، ويصمت الإعلام، ويُساء استخدام سلطة الدولة.


الحكم الأخير الصادر عن محكمة الاستئناف في روما، ضمن مسار محاكمة المتَّهمين بمحاولة التستُّر والتَّضليل في قضية «كوكّي»، أفرز مزيجًا من الإدانات والبراءات، وكرَّس حقيقة لا يمكن نكرانها: جرى بالفعل التلاعب بالأدلَّة بهدف حماية المتورِّطين، في واحدة من أكثر الفضائح الأمنية والقضائية إرباكًا في تاريخ الجمهورية الإيطالية الحديثة.


من ضحية إلى رمز

«استيفانو كوكّي»، شاب في الحادية والثلاثين من عمره، كان قد أُوقف في أكتوبر 2009 لحيازته كمية بسيطة من الحشيش. خلال فترة احتجازه، تعرَّض لضرب مبرح أدَّى إلى وفاته بعد أسبوع في مستشفى "ساندرو بيرتيني". بدلاً من أن تكون الحادثة مجرَّد ملف قضائي عادي، كشفت التحقيقات، التي استغرق تحريكها سنوات، عن شبكة معقَّدة من الأكاذيب والصَّمت والتواطؤ داخل صفوف سلاح الدرك (الكارابينييري).


في البداية، أُغلق الملف تحت ذريعة "الوفاة لأسباب صحِّية"، لكن شجاعة العائلة، وبالأخص شقيقته «إيلاريا كوكّي»، فتحت الباب أمام معركة قضائية وإعلامية طويلة، كشفت مع مرور الوقت أن بعض المسؤولين في المؤسَّسة الأمنية تورَّطوا في تزوير محاضر الاعتقال، وفي حجب الحقائق عن النيابة والرأي العام.


أحكام لا تُنهي الجرح

المحكمة قضت بتثبيت حكم بالسجن عام وثلاثة أشهر على العقيد «لورينزسو ساباتينو» (Lorenzo Sabatino)، وسنتين ونصف على الضابط «لوكا دي تْشانّي» (Luca De Cianni)، بتهم تتعلَّق بالتحريف، والافتراء، وعدم الإبلاغ عن الجرائم. بالمقابل، جرت تبرئة ثلاثة متَّهمين، واعتبار التُّهم الموجَّهة لثلاثة أخرين ساقطة بالتقادم.


ورغم أنَّ الحكم يعكس جزئيًا جدية القضاء في ملاحقة المتورِّطين، إلَّا أنَّ شعورًا بالمرارة لا يزال يخيِّم على ذوي الضحية والشارع الإيطالي. فكيف يُعقل أن تمرَّ سنوات من الكذب والتضليل، ولا يُحاسَب إلَّا قلة، بينما تسقط التهم عن أخرين لمجرَّد أنَّ الزمن تجاوز العقوبة؟


كما أنَّ الحكم أعاد إلى الواجهة التضحية الكبرى التي قدَّمها الشرطي «ريكَّاردو كازاماسِّما»، الشاهد الرئيس الذي أفشى الحقيقة وتَعرَّض لحملات تشويه ومضايقات داخلية، فقط لأنَّه رفض أن يكون شريكًا في مؤامرة الصمت.


عطب في النظام أم خلل في الثقافة المؤسَّسية؟

قضية «كوكّي» لم تكن مجرَّد استثناء. إنها واحدة من علامات خلل أعمق في الثقافة الأمنية والمؤسّسية، حيث يتحول الولاء للمؤسَّسة إلى ما يشبه "حصانة جماعية"، يصعب اختراقها من الداخل، إلَّا عبر تضحيات شخصية باهظة. وهذا ما يجعل من «كوكّي» رمزًا، لا فقط لضحية التعذيب، بل لضحية نظام لم يُهيّأ للمحاسبة، بل للمراوغة.


إنَّ سكوت الإعلام لفترة طويلة، والتقاعس الأولي في فتح تحقيق نزيه، والحماية غير المعلَنة التي نالها المتورِّطون، تكشف أنَّ ما جرى لم يكن مجرَّد سلسلة أخطاء، بل جزءًا من نمط بنيوي في التعامل مع التجاوزات داخل الأجهزة الأمنية.


العدالة المتأخِّرة ليست عدالة

قالت «إيلاريا كوكّي»، بعد صدور الحكم الأخير: "لقد خضنا معركة ضد الجميع، دون أن ندرك حجم ما سنواجهه. خسرنا كثيرًا في البداية، لكنَّنا لم نستسلم". كلمات تلخِّص رحلة طويلة من الألم والتحدّي، لا تنتصر فيها العائلة فحسب، بل ينتصر فيها مبدأ العدالة، وإن تأخَّر.


لكن ما يدعو للأسف هو أن بعض المسؤولين نالوا البراءة بالتقادم، لا بالبراءة الفعلية، في حين أُدين من لم يتخلّ عن ضميره. إذا كانت الدولة تريد فعلاً طيّ هذه الصفحة المؤلمة، فعليها أن تراجع بجرأة لا فقط أدواتها القضائية، بل بنيتها الأخلاقية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان اسفل المشاركات

كن على أتصال

أكثر من 600,000+ متابع على مواقع التواصل الإجتماعي كن على إطلاع دائم معهم

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

جرائم قتل النساء في إيطاليا