ووفقًا لما جرى تداوله، يُشتبَه في أن الوقائع حدثت خلال الأسابيع القليلة الماضية، لكن لم تُكشف بعد تفاصيل إضافية حول القضية. وقد تولَّت إدارة حرس السجون نفسها إجراء التحقيقات الأولية.
رئيس قسم العدالة الجنائية الخاصة بالقاصرين والمجتمع، أنطونيو سانجيرمانو، قال إنه أحال بلاغًا رسميًا إلى النيابة العامة في "نابولي"، واصفًا الحادثة بأنها «بالغة الخطورة وغير مسبوقة».
يُذكر أن مركز "نيسيدا" يقع على جزيرة بركانية صغيرة متصلة بحي "بانيولي" في جنوب غرب نابولي عبر شريط ضيق من اليابسة. ويضم المركز نحو 80 نزيلا، وقد استلهمت منه سلسلة الدراما التلفزيونية الإيطالية الشهيرة "Mare Fuori" (البحر من الخارج) التي بثّتها قناة "راي".
ما وراء "البحر من الخارج": الواقع الحقيقي لسجن نيسيدا للقاصرين في نابولي
خلف نوافذ سجن "نيسيدا" العقابي للقاصرين يوجد البحر فعلًا، تمامًا كما يظهر في مسلسل Mare Fuori، السلسلة الإيطالية الشهيرة التي وصلت مؤخراً إلى موسمها الخامس. لكن الواقع داخل هذا السجن يختلف كثيرًا عن ما يُعرض على الشاشة.
على عكس ما تُظهره السلسلة، لا يقع السجن على مستوى البحر، بل يتكون من مجموعة مبانٍ على قمة الجزيرة، محاطة بالخضرة. وهذا مجرد مثال على الطريقة التي تمزج بها السلسلة بين عناصر واقعية وأخرى متخيلة إلى درجة دفعت بعض العاملين في السجن لوصفها بـ"الخيال السجني" (fantapenitenziario).
لا وجود للفتيات في سجن "نيسيدا" اليوم
من أولى الفروق الواضحة اليوم بين الواقع والمسلسل أن سجن "نيسيدا" لم يعد يستقبل فتيات. حين أُطلقت السلسلة عام 2020، كان هناك قسم نسائي، وإن كان عدد النزيلات قليلًا (بين 2 و10 من أصل نحو 50 نزيلاً). لكن هذا القسم أُغلق نهائيا عام 2023، وهو ما تعتبره التربوية سيلفيا فيجيلانتي (Silvia Vigilante) "خسارة كبيرة"، مؤكدة أن التفاعل بين الذكور والإناث داخل الأنشطة المدرسية أو الورش الفنية كان له أثر إيجابي كبير على الحياة المجتمعية داخل السجن.
لكن القاضية «مارغريتا دي جيو» (Margherita Di Giglio)، المشرفة على تنفيذ الأحكام في محكمة الأحداث، لها رأي مختلف. فهي ترى أن الفتيات، بسبب تطور مساراهن، حصلن غالبًا على تدابير بديلة، مما ساهم في قرار إغلاق القسم، خاصة في ظل تزايد عدد الذكور. ووفقًا لبيانات منظمة "أنتيغوني"، كان هناك فقط 13 فتاة بين 425 نزيلا في سجون القاصرين الإيطالية نهاية 2023.
الازدحام والاختلافات الثقافية
اليوم، يستضيف المعهد نحو 80 نزيلا، وهو عدد يصفه العاملون بأنه "مرتفع جدًا"، مقارنةً بالسعة المثالية. ويُقدَّر أن لكل أربعة نزلاء يوجد مربي واحد، في حين أن عدد عناصر الشرطة السجنية يُعتبر غير كافٍ، ما يخلق صعوبات في التعامل مع الشجارات والعنف، التي توصف بأنها "أمر طبيعي في المؤسسات السجنية".
الزيادة في عدد القُصّر المحتجزين تعود جزئيًا إلى "مرسوم كايفانو" الصادر عن حكومة «جورجا ميلوني»، والذي شدّد إمكانية سجن القاصرين، ما أدى إلى ارتفاع عددهم من 381 في نهاية 2022 إلى 532 في فبراير 2024، وهو أعلى رقم منذ عقد.
هذا الارتفاع شمل بشكل خاص سجون الشمال الإيطالي، ما اضطر السلطات إلى توزيع القاصرين في مؤسسات الجنوب، مثل "نيسيدا". وقد خلق هذا خليطاً ثقافياً غير مسبوق. ففي حين أن معظم نزلاء "نيسيدا" سابقًا كانوا من نابولي، أصبح اليوم نصفهم تقريبًا من الشمال، وغالبيتهم من أصول مغاربية أو مهاجرين جدد. وقد تسبب ذلك في توتر كبير داخل المؤسسة، خصوصًا مع غياب الوساطة الثقافية في البداية.
تقول «فيجيلانتي»: “النزلاء من نابولي آتون من أوساط فقيرة ومعقدة ومليئة بالجريمة المنظمة، لكنهم أكثر قابلية للتأقلم مقارنة بالأخرين الذين يعانون من اضطرابات نفسية أو حالات إدمان على المهدئات، وهو أمر لم نكن نراه سابقاً.”
ما هو حقيقي في "Mare Fuori"؟
المسلسل الشهير يقترب أحيانًا من الواقع، خصوصًا في تصوير العلاقات بين النزلاء والمربين. يقول أحد النزلاء (21 عامًا): “دائمًا ما تجد من يساعدك في فهم أخطائك والبدء من جديد.” لكنه يضيف: “ما لا يعكسه المسلسل هو واقع الانضباط. في الحقيقة، لا يُسمح بالتنقل بين المباني مساءً، كما تُظهر الحلقات”. تبدأ الحياة اليومية في "نيسيدا" عند التاسعة صباحًا، وتستمر بين الدراسة والأنشطة، مع فترات راحة محددة حتى إغلاق الغرف عند الساعة 19:30.
تقول «فيجيلانتي» إن السلسلة تضخم أحيانًا في تصوير التواطؤ بين عناصر الأمن والنزلاء، مثل السماح بهروب أحدهم أو تغطية مخالفات، مشيرةً إلى أن “ذلك لا يمكن أن يحدث هنا”.
كما تشير إلى عدم وجود أمور مثل المصالحات في الحمامات العامة، أو وجود بيانو كما في المسلسل. لكن بعض التفاصيل دقيقة، مثل الورش المهنية (الخبازة، السيراميك، أعمال البناء)، والمرافق الرياضية التي تُستخدم بكثافة.
الانخراط في المجتمع: الواقع والتحديات
القاضية «دي جيو» تعمل على توسيع نطاق تطبيق المادة 21 من القانون السجني، التي تتيح للنزلاء الخروج للعمل أو الدراسة. اليوم، خمسة نزلاء يعيشون في مبنى خارج أسوار المعهد، في نظام مراقبة مخفف، ويعملون في صيانة الجزيرة. يعيش معهم كلب اسمه "ليبيرو"، وهم أيضًا يستعدون لاجتياز امتحان الثانوية.
لكن الحياة في "نيسيدا"، رغم كل محاولات إعادة التأهيل، تبقى محدودة. الجزيرة صغيرة جدًا (أقل من كيلومتر مربع)، ولا يوجد فيها سوى السجن، كنيسة، وقاعدة بحرية، ما يجعل النزلاء سكانها الوحيدين.
من يُحاكم ومن أُدين؟
الجزء الأكبر من نزلاء "نيسيدا" لم يُحكم عليهم بعد: إنهم رهن الحبس الاحتياطي. على المستوى الوطني، لا يتجاوز عدد المدانين نهائيًا %6، بينما البقية إما في انتظار المحاكمة أو لديهم أحكام جزئية. الإقامة المتوسطة في السجن تتراوح بين 6 و7 أشهر، لكن البعض يبقون لأربع أو خمس سنوات. يعلّق نائب مدير "نيسيدا"، «إغناسيو غاسبيريني»، بأن “المدة الطويلة تتيح أحيانًا مسارًا إصلاحيًا حقيقيًا أكثر من الإقامات القصيرة.”
الأبوة المبكرة والانتماء
مسألة إنجاب الأطفال والزواج المبكر حقيقية، حتى بين من لم يبلغوا سن الرشد. يوضح المربّون أن الأمر يعود إما لقلة الوعي بوسائل منع الحمل، أو لرغبة فعلية في إثبات الرجولة: "أن تكون أبًا يعني أن تكون رجلاً".
العودة إلى السجن؟ مجرد خيال تلفزيوني
في النهاية، وبعكس بعض القصص في Mare Fuori، لا يوجد في الواقع من يعود طواعية إلى السجن بعد أن يحظى بالحرية. يقول «أليسيو»: “مهما كانت الأجواء طيبة، يبقى هذا سجنًا، والكل ينتظر الخروج منه يومًا ما.”
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق