وجاء الاعتراف عبر رسالة سلَّمها السفير الروسي في كابول «ديميتري زيرنوف» إلى وزير الخارجية في حكومة طالبان «أمير خان مُتَّقي»، أكَّد فيها القرار الروسي بالاعتراف الرَّسمي بالحكومة الجديدة.
وفي موسكو، رُفع علم طالبان – الممهور بعبارة "لا إله إلا الله محمد رسول الله" – فوق مبنى السِّفارة الأفغانية، في مشهد رمزي يُعتبَر نقلة نوعية في العلاقة بين البلدين، بالأخص وأنَّ هذا العلم ذاته كان يُقاتل تحت رايته المجاهدون ضدَّ الاحتلال السوفيتي لأفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي.
خمس سنوات من العزلة الدولية تنتهي برسالة من موسكو
منذ انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان في أبريل 2021، لم تعترف أي دولة – سواء غربية أو إسلامية – بحكومة طالبان رسميًا. كانت بعض الدول كـقطر، تركيا، والصين تتعامل مع طالبان كسُلطة أمر واقع، من دون اعتراف قانوني كامل. أمَّا روسيا، فكسرت هذا الحاجز وأضفت الشرعية القانونية والدبلوماسية، وسط تحوُّلات جيوسياسية تُشير إلى تقارب روسي‑صيني‑إيراني مع محور آسيا الوسطى.
أبعاد الاعتراف الروسي: ما وراء القرار؟
يأتي القرار الروسي بعد خمس سنوات من التردُّد والمراوغة السياسية، بحسب مراقبين، وسط تقارير تفيد بأن الكرملين يسعى إلى تحصين حدوده الجنوبية وتعزيز نفوذه في منطقة آسيا الوسطى، في ظل انسحاب أمريكي وفراغ إستراتيجي تركته واشنطن.
التحوُّل اللَّافت للانتباه أنَّ العلم الذي كان ممنوعًا أيَّام الاحتلال السوفيتي يُرفَع اليوم في قلب موسكو، ما يعكس عمق التحوُّل في المواقف، ويرى البعض أن التاريخ يدور دورته، وأنَّ الدول تتبع مصالحها لا شعاراتها.
الصين وتركيا: اعتراف جزئي وانخراط ميداني
رغم أنَّ الصين لم تعترف رسميًا بحكومة طالبان، إلَّا أنَّها سمحت بتمثيل دبلوماسي غير كامل، وحرصت على إبقاء التواصل مفتوحًا، بالأخص في ما يتعلَّق بالاستثمارات والبنية التحتية، ضمن مبادرة "الحزام والطريق". أما تركيا، فاستضافت وفود طالبان واستقبلت مسؤوليها، لكنَّها لم تمنح اعترافًا رسميًا أيضًا، مُفضِّلة الاحتفاظ به كورقة ضغط دبلوماسية.
المفارقة الإيرانية: العداء الأيديولوجي قبل السياسي
المثير أن إيران – رغم عدائها الظاهري للولايات المتحدة – رفضت الاعتراف بحكومة طالبان، ولم ترفع علم الإمارة في أي لقاء دبلوماسي، ما يُظهر مدى الحساسية الأيديولوجية بين الطرفين. إيران تعتبر طالبان خصمًا تاريخيًا مذهبيًا، ولا ترغب في دعم حكومة ذات طابع سُنِّي حَرَكي، حتَّى لو كانت معادية لأمريكا.
غياب عربي وإسلامي: موقف محيِّر ومتردِّد
معظم الدول العربية والإسلامية، بالأخص الخليجية، لم تعترف بحكومة طالبان، رغم ما يوصف بـ"الخطاب الإسلامي" للحركة. مراقبون يعتبرون أنَّ كثيرًا من العواصم تنتظر إشارة أمريكية مباشرة قبل اتِّخاذ موقف واضح، كما حدث سابقًا في الاعتراف بالنظام السوري أو بنسخته الجديدة.
تحليل سياسي: هل نحن أمام محور جديد؟
البعض يرى أنَّ العالم يتّٰجه نحو تُشكِّل محور جديد تقوده الصين وروسيا، مع محاولات لضم أفغانستان إلى هذا المحور، ليس فقط سياسيًا، بل اقتصاديًا وأمنيًا أيضًا، لتأمين خطوط الإمداد من بحر الصين إلى الخليج والبحر المتوسط.
هل الاعتراف الروسي بداية لموجة دولية؟
من المبكِّر القول إنَّ العالم سيعترف بحكومة طالبان قريبًا، لكن الاعتراف الروسي يمثل سابقة ستؤثِّر بلا شك في حسابات الدول الكبرى. وقد تضطرُّ بعض العواصم لاحقًا، خاصة في المنطقة الإسلامية، إلى مراجعة مواقفها إن تحوَّلت أفغانستان إلى شريك مهم اقتصاديًا أو أمنيًا في معادلات الشرق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق