وفي بيانها، أوضحت المنظَّمة أنَّ "المجلس الأعلى للتخطيط" في إسرائيل أصدر في 18 يونيو 2025 توجيهًا لكافة لجانه الفرعية ضمن منطقة إطلاق النار 918، يقضي برفض الاعتراضات المقدَّمة ضد أوامر الهدم واستئناف تنفيذ عمليات التخطيط العسكري. البيان، الذي لم يُنشَر رسميًا، ينصُّ على أنَّ التدريب العسكري بات مطلوبًا في كامل المنطقة، ما يعني فعليًا رفض كل طلبات البناء الفلسطينية، ووقف جميع الإجراءات القانونية الجارية للطَّعن في أوامر الهدم.
خلفية: منطقة عسكرية هدفها إخلاء الفلسطينيين
تُعرف منطقة "مسافر يطّا"، التي تقع جنوب الخليل، بإسم "منطقة إطلاق النار 918"، بعد أن جرى تصنيفها بهذه الطريقة في ثمانينيات القرن الماضي بقرار من وزير الزراعة آنذاك «أريئيل شارون»، بهدف منع التوسُّع العمراني للفلسطينيين هناك. ومنذ ذلك الحين، تستخدم إسرائيل ذريعة "التدريبات العسكرية" لإخلاء الفلسطينيين من أراضيهم، وتمهيد الطريق لبناء مستوطنات إسرائيلية جديدة.
لكن مع القرار الجديد، وفقًا لما يؤكِّده ناشط من "حركة التضامن الدولية" (ISM)، فإنَّ الاحتلال الصهيوني "يمنح فعليًا تفويضًا لهدم جماعي شامل في مسافر يطّا"، حيث لم تعد المنطقة مقسَّمة إلى مساحات يُسمح أو يُمنع فيها السَّكن، بل أصبحت بأكملها خاضعة للجيش الإسرائيلي.
التطهير العرقي تحت غطاء "الأمن"
الناشطون يرون أنَّ ما يجري هو تطهير عرقي ممنهج يستهدف اقتلاع المجتمعات الفلسطينية الأصلية من أراضيها وحرمانها من أبسط مقوِّمات الحياة والمعيشة، كالمرعى والزراعة والسَّكن. "يجري ذلك وسط تجاهل كامل للإجراءات القانونية، وتحت غطاء زائف من حُجج تتعلَّق بالأمن، وفي ظل انشغال العالم بالحرب مع إيران"، بحسب البيان الصادر عن "شباب صمود".
وفي السياق ذاته، ندَّد ناشطون إسرائيليون من مجموعة "The Village" بما وصفوه بانتهاك صارخ لسيادة القانون، حيث تستخدم إسرائيل مزاعم "الأمن" لتبرير الهدم والتهجير، بينما تُترَك البؤَر الاستيطانية الإسرائيلية الجديدة التي أُنشئت بعد 7 أكتوبر من دون أي مساءلة أو إخلاء.
تصاعد العنف والإفلات من العقاب
تشهد المنطقة تصاعدًا حادًا في وتيرة العنف المنظَّم من قِبل المستوطنين وجنود الاحتلال، حيث تُستهدَف البنية التحتية، سرقة المواشي، الاعتداءات الجسدية، إحراق المحاصيل والمنازل، ومنع إعادة الإعمار. في الوقت ذاته، تُمنَع العائلات الفلسطينية من البناء أو ترميم مساكنها، ما يجبر العديد منها على العيش في كهوف ومغاور.
ويوثِّق الفيلم الوثائقي "No Other Land" الحائز على جائزة الأوسكار، مشاهد مروِّعة من معاناة سكان المنطقة، منها إصابة شاب فلسطيني بالشَّلَل إثر إطلاق النار عليه بعد هدم منزله، ليُجبَر لاحقًا على العيش في كهف حتى وافته المنية عن عمر ناهز 26 عامًا.
حملة تهجير متسارعة
تقول الناشطة "م." من "حركة التضامن الدولية" إنَّ الوضع الميداني آخذٌ في التدهور: «قبل أشهر، دُمِّرت قرية "خلة الضبعة" بالكامل، وتعرَّضت خيام الأهالي للهدم أيضًا، ما أجبرهم على اللجوء للكهوف. في "سوسيا"، أعلن الجيش الإسرائيلي مؤخَّرًا منطقة عسكرية مغلقة لمدَّة عامين، وهو أمر غير مسبوق».
وتضيف: «في الوقت نفسه، يحاول المستوطنون إنشاء بؤر استيطانية جديدة أمام منازل الفلسطينيين، ويعتدون يوميًا على شبكات المياه والكهرباء، ويشعلون النيران في الممتلكات. الوضع مأساوي بالفعل».
حملة تضييق على النشطاء الدوليين
يواجه نشطاء السلام والتضامن الدوليون حملات قمع وترحيل، حيث جرى ترحيل ناشطتين من ISM قبل أسابيع، وتوقيف اثنين آخرين من منظمة "Operazione Colomba" مؤخَّرًا. وتدعو "م." المتضامنين حول العالم للمشاركة: «نحتاج إلى متطوعين، وجودكم مهم جدًّا».
نداء أخير من السكان
في ختام النداء، طالب أهالي "مسافر يطّا" بضرورة فرض عقوبات أو اتخاذ تدابير دولية فاعلة لإجبار إسرائيل على وقف انتهاكاتها للقانون الدولي، ومنع استمرار سياسة التطهير العرقي في الضفة الغربية. وبينما تستمرُّ المجازر في قطاع غزة، تعيش الضفة مأساة نكبة جديدة في صمتٍ دولي مطبق.
"نداؤنا قد لا يكون إلا صرخة أخرى في الفراغ"، يقول أحد سكان المنطقة، معبِّرًا عن خشيته من أن يُترَك مصيرهم لمزيد من التهجير والعزلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق