وأفاد تقرير صادر عن "اتحاد الغرف التجارية الإيطالية" (Unioncamere)، استنادًا إلى بيانات أَعدَّها مركز الدراسات الاقتصادية "تاليكارني"، بأنَّ توزيع الخدمات التجارية الحيوية في إيطاليا يعاني من تفاوت صارخ، يتجلّى في التكدُّس السكَّاني والسياحي بالمراكز الكبرى، مقابل تراجع سكَّاني حاد في المناطق الداخلية، ما يزيد من هشاشة فئات معيَّنة من السكَّان، لا سيما كبار السِّن، والأسر التي لا تمتلك وسيلة نقل خاصة، والأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصَّة المقيمين في بلدات صغيرة تفتقر بشكل متزايد إلى الخدمات الأساسية.
ويعكس النسيج الحضري الإيطالي تاريخ البلاد المليء بالتقسيمات السياسية والكيانات المحلِّية المُجزَّأة، إذ تنقسم البلاد إلى 7896 بلدية، منها 5523 بلدية مُصنَّفة ضمن ما يُعرف بـ"البلديات الصغيرة"، لكون عدد سكانها لا يتجاوز 5 آلاف نسمة. ويعيش في هذه المناطق قرابة 10 ملايين نسمة، بعيدًا عن المراكز الحضرية الكبرى، حيث تتباين إمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية.
وبحسب التقرير، فإنَّ عدد المتاجر في هذه البلديات الصغيرة يبلغ 9.24 متجرًا لكل ألف نسمة، أي أقل بنسبة %12.8 من المتوسط الوطني البالغ 10.42 متجرًا لكل ألف نسمة. غير أن هذه الأرقام الإجمالية تُخفي حالات حرجة؛ إذ توجد 206 بلديات (منها 205 يقل عدد سكانها عن ألف نسمة) تفتقر تمامًا إلى أي نشاط تجاري للبيع بالتجزئة، ما يؤثِّر على أكثر من 51 ألف شخص. أما عدد السكَّان الذين يعيشون في بلدات بلا متاجر غذائية فيبلغ 170 ألف نسمة موزَّعين على 425 بلدية. كما رُصدت 1124 بلدية، تضم نحو 630 ألف نسمة، لا تحتوي سوى على متجر غذائي واحد كحد أقصى.
وتُظهر البيانات أن مؤشِّر الشيخوخة في هذه المناطق أعلى بكثير من المعدَّل الوطني. إلَّا أنَّ التقدُّم في العمر ليس العامل الوحيد المؤثِّر؛ فالهجرة الداخلية لدوافع تعليمية ومهنية تسهم أيضًا في تفريغ هذه البلدات من سكَّانها، إذ ينتقل كثيرون إلى المدن الكبرى من دون نية للعودة. وتتفاقم المشكلة بفعل السياسات العامة غير الفعّالة أو تلك التي تأتي بنتائج عكسية، إذ فشلت في وقف نزيف السكّان أو التدهور الخدماتي.
وأثار الجدل مؤخَّرًا "البرنامج الاستراتيجي الوطني للمناطق الداخلية 2021-2027"، الذي أعدَّته حكومة «ميلوني»، حيث ورد في الوثيقة أنَّ بعض المناطق "لا يمكنها أن تضع نصب أعينها هدفًا لعكس مسار التراجع، لكنَّها في الوقت ذاته لا يجب أن تُترَك لمصيرها. إنَّها بحاجة إلى خُطَّة مُخصَّصة لمواكبة مسار التدهور المزمن والشيخوخة". وفيما لم يخمد بعد الجدل الذي أثاره هذا التصريح، أعلنت الحكومة عن خفض الموارد المُخصَّصة للمحافظات من أجل صيانة وتطوير شبكة الطرق، رغم أهميتها الحيوية في ربط هذه المناطق المعزولة ببقيَّة البلاد وضمان بقائها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق