إيطاليا ترفض توسيع صلاحيات منظمة الصحة العالمية: "لا تعديل على اللوائح" - الإيطالية نيوز

إعلان فوق المشاركات

إيطاليا ترفض توسيع صلاحيات منظمة الصحة العالمية: "لا تعديل على اللوائح"

إيطاليا ترفض توسيع صلاحيات منظمة الصحة العالمية: "لا تعديل على اللوائح"

الإيطالية نيوز، السبت 19 يوليو 2025 – في خطوة لافتة من شأنها أن تترك أثرًا بارزًا على الساحة الصحية الدولية، أعلنت إيطاليا رسميًا رفضها التعديلات المقترحة على "اللوائح الصحية الدولية" (IHR) التي اعتمدتها الجمعية العامة السابعة والسبعون لِـ "منظمة الصحة العالمية" (WHO). جاء ذلك في رسالة بعث بها وزير الصحة الإيطالي، «أوراتسيو اسكيلاتشي» (Orazio Schillaci)، إلى المدير العام للمنظمة، تيدروس أدهانوم غيبريسوس (Tedros Adhanom Ghebreyesus)، مؤكِّدًا فيها على أنَّ بلاده ترفض جميع التعديلات المعتمَدة، استنادًا إلى الحق السيادي المنصوص عليه في المادَّة 61 من اللوائح نفسها.


القرار الإيطالي، الذي اتُّخذ في اللَّحظات الأخيرة قبل انتهاء مهلة "الانسحاب التحفُّظي" في 19 يوليو، يَعكس موقفًا صريحًا من حكومة «جورجا ميلوني» برفض ما تعتبره تهديدًا للسيادة الصحية الوطنية. ويأتي هذا الرفض بعد امتناع روما عن التصويت على "المعاهدة العالمية للأوبئة"، ما يشير إلى تصاعد الخلافات بين العاصمة الإيطالية ومقر منظَّمة الصحة في جنيف.


وتَكمُن خلفية القرار الإيطالي في مخاوف جدِّية من التعديلات المقترَحة، والتي يُراد بها توسيع تعريف "الطارئ الصحي العالمي" ليشمل أوضاعًا مبهمة، فضلًا عن منح المدير العام لمنظمة الصحة صلاحيات استثنائية، بينها إعلان حالة الطوارئ من دون الحاجة لموافقة الدولة المعنية.


ويتماهى الموقف الإيطالي مع توجُّه الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة «دونالد ترامب»، والتي رفضت بدورها التعديلات عبر وزير الخارجية «ماركو روبيو» ووزير الصحة «روبرت كينيدي»، مبرِّرةً ذلك بـ"الدفاع عن السيادة الوطنية" ورفض "تدخُّل البيروقراطية الدَّولية في الشؤون الداخلية".


ومن اللَّافت للانتباه أنَّ إيطاليا، التي كانت حتَّى وقت قريب تبدو منفتحةً على دعم التعديلات داخل البرلمان الأوروبي، اختارت الآن تغيير مسارها بشكل جذري، معلِنةً رفضها تفويض أي جهة فوق وطنية بإصدار قرارات صحية داخلية قد تمسُّ باستقلالها السياسي أو الإداري.


السيناتور «كلاوديو بورغي»، أحد أبرز الدّاعمين لهذا التوجه، سارع إلى إعلان النبأ عبر منصة "إكس" (تويتر سابقًا)، بينما رحَّبت "اللَّجنة الطبية-العلمية المستقلة" (CMSi)، التي طالما دعت إلى رفض التعديلات، بهذا القرار واعتبرته "خطوة شجاعة وضرورية" في وجه عملية تفاوض وصفتها بـ"الغامضة"، ومنطوية على تهديدات محتملة للحُرِّيات الأساسية.


وقد حَذَّرت اللَّجنة في وقت سابق من أن التعديلات – رغم تخفيف صيغتها مقارنة بالنُّسخ السابقة – ما زالت تنطوي على مخاطر جسيمة تمسُّ السيادة الوطنية. ومن أبرز النقاط المثيرة للجدل في القرار WHA77.17 تعزيز دور المدير العام للمنظمة وتمكينه من صلاحيات موسّعة في إدارة الأزمات الصحية من دون وجود ضمانات ديمقراطية كافية، بالإضافة إلى إدراج "المنتجات الجينية" ضمن التدابير الصحية من دون تحديد معايير واضحة للسلامة أو الفعالية أو مبدأ الموافقة المستنيرة.


كما تنصُّ التعديلات على إمكانية فرض التطعيم الإجباري لأسباب لا تقتصر على الصحة العامة، بل تشمل أيضًا "أهدافًا اقتصادية واجتماعية"، ما يثير تساؤلات قانونية ودستورية. وتُعبِّر اللَّجنة الطبية عن قلقها البالغ إزاء البنود التي تُلزِم الدول الأعضاء بمحاربة "المعلومات المضللة والخاطئة"، استنادًا إلى تعريفات قد تكون تعسُّفية، ما يمنح المنظمة – أو كيانات فوق وطنية – سلطة تحديد ما هو "مقبول" من محتوى، في اتجاه قد يقمع النقاش العلمي الحر ويهمِّش الأصوات المعارضة داخل المجتمع الطبِّي.


إلى جانب ذلك، حذَّرت اللَّجنة من إمكانية توقيع المنظمة لاتفاقيات صحية ثنائية غير شفَّافة، وتعزيز آليات استجابة عالمية للأوبئة قد تُقلِّص من استقلالية الحكومات الوطنية في اتِّخاذ القرارات المناسبة لظروفها المحلِّية. كما أُثيرت تساؤلات حول التبعات المالية للتعديلات ومدى قدرتها على الصمود اقتصاديًا في الدول الموقِّعة.


ورغم هذا الرَّفض، تبقى إيطاليا عضوًا فاعلًا في منظومة منظمة الصحة العالمية وستواصل تطبيق اللَّوائح الصحية الدولية المعتمَدة عام 2005، التي لا تزال سارية المفعول. إلَّا أن هذا الموقف قد يطرح إشكاليات عملية، بالاخص في ما يتعلّق بتطبيق "شهادة التطعيم الدولية" الجديدة التي ستعتمدها دول أخرى، ما قد يؤدّي إلى صعوبات للمسافرين الإيطاليين خلال الأزمات الصحية العالمية المقبلة. ومع ذلك، ترى حكومة ميلوني أن مخاطر "التخلّي عن السيادة" تفوق بكثير التحديات الإجرائية المحتملة.


ورغم توافق الموقف الإيطالي مع واشنطن، فإنَّه يبقى معزولًا نسبيًا عن توجه غالبية دول الاتحاد الأوروبي، ما يفتح الباب أمام نقاشات جديدة حول مستقبل الحوكمة الصحية الدولية. وفي عصر يتزايد فيه تغلغل التكنولوجيا في السياسات الصحية، وتتصاعد فيه الأصوات المُحذِّرة من تقييد التعددية العلمية والرَّقابة المُفرِطة، يبدو أن الدفاع عن الديمقراطية والشفافية أصبح فعلًا من أفعال المقاومة المدنية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان اسفل المشاركات

كن على أتصال

أكثر من 600,000+ متابع على مواقع التواصل الإجتماعي كن على إطلاع دائم معهم

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

جرائم قتل النساء في إيطاليا