الإيطالية نيوز، الجمعة 11 يوليو 2025 – أصدرت رئيسة بلدية "اسبكيا" (Specchia)، إحدى بلدات إقليم "سالينتو" جنوب إيطاليا، قرارًا إداريًا يمنع تنظيم أي تظاهرات أو فعاليات سياسية داخل المركز التاريخي للبلدة، مبررة ذلك بضرورة عدم إزعاج السياح.
وجاء في نص القرار الصادر عن رئيسة البلدية «آنا لاورا ريميجي» (Anna Laura Remigi) أن "المركز التاريخي محظور على جميع أشكال الخطب العامة أو التظاهرات السياسية، إضافة إلى عرض المنشورات أو الملصقات، سواء في الأماكن العامة أو الخاصة، وكل ما من شأنه الترويج لنشاط سياسي أمام العامة".
القرار، الذي يسري من 29 يونيو حتى 30 سبتمبر، أثار جدلاً واسعًا بسبب طبيعته القمعية وتبريراته التي وصفت بالـ"سريالية". فبحسب ما ورد في المرسوم، فإن حظر النشاط السياسي هدفه عدم تعكير صفو السياح الذين يتوافدون على البلدة خلال موسم الصيف.
وذكرت السلطات المحلية أن "اسبكيا" مُدرجة ضمن قائمة "أجمل قرى إيطاليا" التي تنظمها جمعية خاصة، وأن المركز التاريخي للبلدة يحتضن خلال الصيف فعاليات ثقافية تحت عنوان "صيف سبكيا 2025". واستنادًا إلى هذه المعطيات، اعتبرت رئيسة البلدية أن "العدد الكبير من الزوار المهتمين بجماليات المركز التاريخي والأنشطة الترفيهية" يستدعي فرض الحظر على أي شكل من أشكال التعبير السياسي، بدعوى الحفاظ على "الأمن العام والسلام الاجتماعي".
ويرى مراقبون أن هذا القرار يشكل سابقة فريدة تعكس خضوع السكان المحليين بالكامل لمنطق الاقتصاد السياحي، مشيرين إلى أن الهدف المعلن ليس حماية النظام العام، بل "ضمان أجواء هادئة للسياح بعيدًا عن القضايا الجدلية التي لا تمت بصلة للترفيه"، وفقًا لنص القرار.
ولم يكن هذا الإجراء الأول من نوعه، إذ سبق لرئيسة بلدية "اسبكيا" أن أصدرت قرارًا مشابهًا في صيف 2023 بالذرائع ذاتها.
ويرى منتقدو القرار أن هذه السياسة تُفرغ الحياة العامة من مضمونها المدني لصالح أجندة ربحية قائمة على السياحة، في وقت تشهد فيه مدن أوروبية أخرى، لا سيما في إسبانيا وجنوب أوروبا، موجات احتجاج ضد السياحة المفرطة التي تتسبب بارتفاع أسعار السكن وتفاقم التفاوتات الاجتماعية.
وعلى عكس تلك المدن التي تحاول التصدي لآثار التوسع السياحي، تسلك بلدة سبكيا طريقًا مغايرًا، إذ تعزز السياسات الجاذبة للسياحة وتمنع مسبقًا أي نشاط يُحتمل أن يضر بصورة البلدة أمام الزوار.
من جانبها، بررت رئيسة البلدية القرار بالتأكيد على أن "جميع الساحات والمناطق خارج المركز التاريخي متاحة لإقامة الخطب والتظاهرات السياسية وتوزيع المنشورات"، لكنها شددت على أن "هذا الفضاء موجه أساسًا للسكان المحليين".
ويفسر كثيرون هذا التوضيح بأنه محاولة لتبرير عزلة التعبير السياسي وقصره على الأطراف، ما يمثل اعترافًا ضمنيًا بتقييد الحريات، إذ أن حرية التعبير مكفولة – لكن فقط خارج قلب المدينة.
وتُظهر مراجعة لمتطلبات الانضمام إلى قائمة "أجمل قرى إيطاليا" أن البلدات الراغبة في ذلك تُقيَّم بناءً على معايير جمالية ومعمارية وخدمات مخصصة للسياحة، دون أي التزام واضح بتوفير خدمات عامة للسكان، ما يعزز المخاوف من أن تصبح هذه المناطق "جميلة من الخارج، فارغة من الداخل".
ويأتي هذا القرار في سياق أوسع من التحولات التي يشهدها جنوب إيطاليا، لاسيما منطقة سالينتو، التي تواجه من جهة نزيفًا سكانيًا بسبب الهجرة الداخلية والخارجية، ومن جهة أخرى زحفًا عقاريًا مدفوعًا بالسياحة الفاخرة. وكان منتجع بورغو إينياتسيا في برينديزي، حيث انعقدت قمة مجموعة السبع العام الماضي بدعم من رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني، قد تحول إلى رمز لهذا التوجه الذي يعيد رسم هوية سالينتو كموقع "استجمامي بامتياز"، مقابل واقع من العمل الموسمي منخفض الأجر وسوء البنية التحتية.
وفي هذا السياق، تصبح "السلام الاجتماعي" و"السكينة" كلمات السر للحفاظ على الصورة المثالية للزائر، وإن كان الثمن تقييد الحق الدستوري في التعبير.
وتجدر الإشارة إلى أن المادة 21 من الدستور الإيطالي تنص على أن "لكل شخص الحق في التعبير بحرية عن أفكاره بالكلام أو الكتابة أو أي وسيلة أخرى للنشر". غير أن هذا الحق، كما يبدو، قد يُعلَّق مؤقتًا إذا ما تعارض مع المصالح السياحية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق