روما، 4 أغسطس 2025
سيدي الرئيس «سيرجو ماتَّاريلَّا»،
لطالما التزمت جمعياتنا ومؤسساتنا بموقف متوازن تجاه أزمات الشرق الأوسط. لم ننجرّ إلى الجدل، ولم نلجأ إلى خطاب متشنّج أو تعبيرات خارجة.
أكتب إليكم لأعرب عن تقديري للإشارات الأخيرة الصادرة عنكم بشأن القضية الفلسطينية، ولكنني أقرن هذا التقدير بنداء عاجل يدعو إلى تحرّك ملموس وسريع.
إن إيطاليا اليوم مهدّدة بفقدان مصداقيتها وتأثيرها على الساحة الدولية، وحتى في أعين رجال الأعمال العرب والأجانب. خلال العامين الماضيين، تراجعت طلبات الاستثمار والدعم من مجتمعنا بنسبة 40%، ويرتبط 95% من هذا التراجع بموقف إيطاليا السياسي غير الواضح من القضية الفلسطينية. وتشير الإحصاءات إلى أن المنتجات الإيطالية باتت مهدّدة بالركود داخل البلاد بسبب تراجع مبيعاتها في الدول العربية والأفريقية، من الأزياء إلى الأثاث والمطاعم والأحذية.
في المقابل، لا تزال مواقف المجتمع المدني الإيطالي محلّ تقدير كبير، إلا أن الغموض السياسي وغياب الموقف الحاسم من قبل بعض الأحزاب والسياسيين يؤثر سلبًا على صورة البلاد، وسط تحوّلات واضحة في الخطاب الإعلامي والسياسي، مدفوعة أحيانًا بالتحالفات والمصالح الآنية.
إيطاليا على مفترق طرق دبلوماسي
أثق تمامًا أن بإمكانكم، بصفتكم رئيس الجمهورية، منح الزخم اللازم للحكومة لتتحرك، حتى لا تبقى إيطاليا على الهامش، في حين أعلنت كل من فرنسا، المملكة المتحدة، مالطا وكندا عزمها الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين خلال اجتماعات الأمم المتحدة في سبتمبر المقبل.
حتى الآن، اعترفت 147 دولة عضوًا في الأمم المتحدة بدولة فلسطين، أي ما يمثل نحو 75% من أعضاء الجمعية العامة. فرنسا، بقيادة الرئيس إيمانويل ماكرون، أكدت أنها ستُعلن الاعتراف رسميًا، بينما ستقوم المملكة المتحدة بالأمر ذاته في حال وافقت إسرائيل على وقف إطلاق النار وتعليق سياسة الضم في الضفة الغربية. تسير كندا ومالطا في الاتجاه ذاته.
لا ينبغي لإيطاليا أن تستمر في حالة الترقّب والتردّد. الانقسام الفلسطيني بين غزة ورام الله لا يمكن أن يكون ذريعة للمماطلة. المطلوب هو الاعتراف الرسمي بحق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة، تحت سلطة حكومة مدنية، ديمقراطية، منتخبة من الشعب، وتحكم باسم الشعب وليس باسم الفصائل، كما هو الحال في كل دولة حرة.
كارثة إنسانية في غزة: أكثر من 60 ألف قتيل
تجاوز عدد القتلى في قطاع غزة 60 ألفاً، بينهم 18,500 طفل، معظمهم من المدنيين. لا يمكن القبول بهذا الصمت أمام المأساة. هناك حاجة ملحة إلى وقف فوري لإطلاق النار، وإلى اعتراف سياسي ودبلوماسي حقيقي لدعم إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة.
التزام صحي عاجل
نُقدّر عالياً المبادرات الإنسانية التي قدمتها الحكومة الإيطالية، ولا سيما المساعدات الطبية. إلا أن فرقنا الطبية – من أطباء وجراحين وممرضين وأخصائيين – تحذّر من حاجة طارئة إلى تدخلات صحية أوسع وأسرع.
في غزة، يموت الأطفال يوميًا من الجوع، وتنتشر الأمراض والأوبئة. أكثر من 17,000 طفل فقدوا أحد والديهم أو كليهما، وأُجريت عمليات بتر لأطراف أكثر من 8,000 طفل. كما تعاني 60,000 امرأة حامل من سوء تغذية حاد، مع تزايد خطر الإجهاض. آلاف المرضى المزمنين – من مرضى القلب والسكري والسرطان – يُحرمون من العلاج منذ سنوات.
ندعو إلى إرسال مستشفيات ميدانية متنقلة، وبعثات طبية متخصصة، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية بشكل آمن، لتجنّب الكوارث على خطوط التوزيع.
انهيار النظام الصحي في غزة
المستشفيات لم تعد سوى هياكل مدمّرة. يعمل الأطباء بلا معدات ولا أدوية، في ظروف غير إنسانية، يضطرون فيها إلى اختيار من يُمنح جرعة الأكسجين الأخيرة. لا يموت الناس فقط من القصف، بل من الجوع والعطش ونقص الرعاية الطبية. هذه مأساة لا يجوز التغاضي عنها.
دعوة من أجل الاعتراف والعدالة
مجالس إدارات منظمات CO-MAI، وUMEM، ووكالة AISC NEWS، إلى جانب عدد من الفلسطينيين واليهود المناصرين للحوار في إسرائيل، يدعمون هذا النداء من أجل سلام عادل وحقيقي.
وفي الختام، سيدي الرئيس، أؤكد كما في السابق أن هذه القضية سياسية وليست دينية، وأننا نواصل التزامنا الراسخ بمناهضة معاداة السامية والإسلاموفوبيا، وبالدفاع عن الحوار والتعايش والسلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق