وتصور "لوموند" المشهد الأول: في السابع من يونيو الماضي، خلال صلاة عيد الأضحى في مسجد تطوان بجهة الشمال المغربي، بدا الملك «محمد السادس»، مرتديًا الجلابة الصفراء والتربوش الأحمر، جالسًا على مقعد من الجلد. عَبَّر وجهه عن إرهاق واكتفى بالجسم الثابت، بينما انخرط المحيطون به في الركوع والخشوع، مما أثار قلقًا متزايدًا بشأن وضعه الصحي. أما المشهد الثاني فهو كما يلي: بعد أكثر من أسبوعين، سرَّبت وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر فيه الملك «محمد السادس» يرتدي زي السباحة واقفًا على متن "جت-سكي" في عرض البحر قرب "كابّو نيغرو". بدا محاطًا بعدة زوارق تابعة لحُرَّاسه، وقد رفع يدًا بتحيّة خجولة نحو الشعب على الشاطئ. رغم تواضع حركاته، فإن قدرته على التحكم في المركب وحده انطفت شكوك الاعتلال.
بحسب "لوموند"، تُجسّد هذه الصورة المتناقضة بدقة الحالة التي تمرُّ بها المملكة؛ إذ يبدو الملك جسديًا مترهِّلًا، كما تؤكد ذلك صور أخرى — أبرزها خلال استقباله للرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» في الرباط أواخر أكتوبر 2024، حين ظهر أنحف وبعكاز بيديه—، إلا أن هذا التدهور ليس مدعاة للذعر، ولا يشكّل تهديدًا لقدرات السلطة أو لمقود الحكم.
ومع تزايد الحديث عن الوضع الصحي للعاهل المغربي «محمد السادس»، تبرز تساؤلات حول انعكاسات غيابه الملحوظ عن الساحة السياسية في البلاد: تطرّقت الصحيفة إلى تداخُل مؤثِّر بين غيابات الملك المتكررة وظهوره الإعلامي المتغيّر، مما يثير تساؤلات بشأن مستويات توافره وقدرته على ممارسة مهام الحكم. في المقابل، في صعود تدريجي، يبرز بوضوح الأمير наслед العرش، مولاي الحسن (22 عامًا)، الذي بدأ يلعب دورًا أكثر فعالية في المشهد الرسمي، سواء خلال الزيارات الرسمية أو من خلال تدرّجه في الواجهة العسكرية.
ويرى مراقبون أن هذا الغياب يُحدث فراغًا في القيادة اليومية، حيث باتت القرارات الكبرى تُتخذ بوتيرة بطيئة أو تُدار ضمن دوائر ضيقة داخل القصر. ويشير محلِّلون إلى أن هذا الواقع منح المحيطين بالملك من شخصيات سياسية واقتصادية وإدارية مساحة أكبر للتأثير في مسار السلطة.
على الصعيد الداخلي، بدت البعض من عواقب ابتعاد العاهل المغربي عن الساحة السياسية، ويتمثل أهمها في السيطرة على الحكومة من قبل رئيسها الحالي «عزيز أخنوش» وبعض المناصرين له الذين يحملون حقائبا وزارية صانعة لقرارات تبطئ الإصلاحات وتحدُّ من مواجهة التحديات الاجتماعية، في ظل غياب مبادرات سياسية واضحة من رأس الدولة. وفي موازاة ذلك، تزداد التكهُّنات بشأن ملف الخلافة، إذ يبرز ولي العهد الأمير «مولاي الحسن» في المشهد البروتوكولي، غير أنَّ انتقال السلطة في المملكة لا يبدو محصورًا في الجانب الرمزي وحده.
على وجه التحديد، يجسّد «عزيز أخنوش»، رئيس الحكومة ورجل أعمال بارز، العلاقة الوثيقة بين السياسة والاقتصاد. لقد جسّدت شخصية «أخنوش» وأدواره المتعددة – كرئيس حكومة وكرئيس لمجموعة "أكوا" الاقتصادية – مدى تعمّق نمط "الرأسمالية المحسوبية" في المغرب. ومع أن بعض وسائل الإعلام المقربة من القصر، مثل Le360، لا تتردَّد في مهاجمته، يرى المحلِّلون أنَّ ثمة سياسة مقصودة تهدف إلى صياغة خطاب يصوّر الملك بمعزل عن الانتقادات، ويُحوِّل التركيز نحو مسؤولين أخرين لضمان حماية صورة المؤسَّسة الملكية.
كما سلّطت الصحيفة الضوء على مصادر التوتر الداخلي، مثل النفوذ السابق لإخوة أزعيتر – شخصيات رياضية مثيرة للجدل – والذي اُعتبر مصدرًا للقلق لدى النخب التقليدية قبل أن يتراجع هذا التأثير. إلى جانب ذلك، أثارت سلسلة من الهجمات السيبرانية التي استهدفت مسؤولين كبار جدلًا كبيرًا حين كشفت عن بيانات حسَّاسة تخص ثرواتهم. ورغم أن المجموعة المسؤولة الموقّعة بـ«JabaRoot DZ» أشار إسمها إلى الجزائر، فإن كثيرين من المحللين يرون أن الأصل الحقيقي لهذه الهجمات يأتي من داخل الصراعات المغربية نفسها.
ولا يقلّ ظهور لالة سلمى، الزوجة السابقة للملك، أهميةً – فقد ظهرت مؤخرًا إلى جانب الأمير مولاي الحسن، ما أثار تكهنات حول احتمالات لعبها دورًا مستقبلًا في شؤون العائلة المالكة.
أما على المستوى الخارجي، فإن ضعف الحضور السياسي للملك يثير قلق الشركاء الدوليين للمغرب، ويضعف قدرة البلاد على تثبيت موقعها لاعبًا محوريًا في إفريقيا وحوض المتوسط على الرغم من تمكين المغرب من استضافة بعض الفعاليات الرياضية العالمية لتلعب دور مواد تجميل لاخفاء العيوب الإدارية للدولة.
وبينما يؤكد مقربون أن الملك لا يزال يمسك بزمام الحكم، يرى مراقبون أن غيابه المتكرِّر عن الواجهة يعكس مرحلة انتقالية دقيقة، تثير تساؤلات بشأن مستقبل العرش وتوازنات السلطة في المملكة.
في المجمل، ترى "لوموند" أن المملكة المغربية باتت تواجه مناخًا يوحي بنهاية عهد، في حين يراها أخرون مرحلة دقيقة من إعادة التوازن والتجديد السياسي الداخلي تحت سقف السلطة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق