تحوّل في موقف المفوضية: من الاعتراض إلى التبرير
هذا الموقف الجديد من المفوضية الأوروبية يُعد تراجعًا أخر في سياق طويل من المواقف المتقلِّبة. ففي يناير الماضي، قَدَّمت المفوضية مذكِّرة خطية إلى محكمة العدل الأوروبية في القضية التي صدر بشأنها الحكم المنتقد لإيطاليا، أكَّدت فيها على أنَّ التوجيه الأوروبي الحالي الخاص بالإجراءات لا يسمح بتصنيف دولة ما كـ«دولة منشأ آمنة» إذا كانت يُمارَس فيها ممارسات اضطهاد منهجية ضد فئات من الأشخاص.
لكن في جلسة الاستماع العلنية أمام الغرفة الكبرى للمحكمة بتاريخ 25 فبراير، غَيَّرت المفوضية موقفها قائلةً إن ذلك ممكن بالفعل. وعادت أمس لتؤكِّد على أنَّ القواعد الجديدة، التي يُفترَض أن تدخل حيِّز التنفيذ في 12 يونيو 2026، ستُجيز ذلك التصنيف، ما يُعد إقرارًا صريحًا بأنَّ التشريعات الحالية لا تسمح بذلك، وهو ما أكَّدته المحكمة نفسها في حكمها.
مقترح لتسريع تنفيذ أجزاء من الميثاق
كانت المفوضية نفسها قد تقدَّمت يوم 16 أبريل بمقترح لتسريع تنفيذ بعض بنود الميثاق الجديد، لا سيما ما يتعلَّق بإجراءات الحدود المعجلة، التي تتضمن إمكانية الاحتجاز، وتُطبَّق حاليًا فقط على طالبي اللُّجوء القادمين من «دول آمنة» أو من دول لا تتجاوز نسبة قبول طلباتهم %20 على المستوى الأوروبي.
ويتضمَّن المقترَح أيضًا السماح بتصنيف دول معينة كـ«آمنة» حتى في حال وجود استثناءات إقليمية أو فئوية. كما يتضمن إعداد أول قائمة رسمية للدول الآمنة، تشمل: كوسوفو، كولومبيا، الهند، المغرب، بنغلاديش، مصر، وتونس. وهي قائمة أصغر من تلك المعتمدة من قِبل الحكومة الإيطالية، والتي تتضمن 19 دولة، لكنها تشمل الدول الثلاث التي تهم حكومة ميلوني في سياق مشروعها مع ألبانيا.
نقاشات في المجلس الأوروبي ومسار تشريعي معقد
ناقش المجلس الأوروبي هذا المقترح ثلاث مرات، آخرها في 31 يوليو الماضي. ورغم أن المادة 294 من معاهدة عمل الاتحاد الأوروبي تنصُّ على ضرورة تصويت البرلمان أوَّلًا في إطار الإجراء التشريعي العادي، إلّا أنَّ الواقع العملي يتيح إجراء دراسة متوازية من قبل المجلس والبرلمان.
وفي جميع الأحوال، لا يزال هناك العديد من الخطوات القانونية التي يجب المرور بها، بدءًا من اعتماد تفويض التفاوض، الذي يُفضي إلى عقد "التريلوغ" (اجتماعات ثلاثية بين البرلمان والمجلس والمفوضية). حتّى في حال تسريع الإجراءات، فإنَّ الأمر سيستغرق عدَّة أشهر، مما يعني أن دخول الميثاق الجديد حيز التنفيذ—الذي لا يُتوقَّع أن يحل جميع الإشكالات القانونية المرتبطة باتفاق الحكومة الإيطالية مع ألبانيا—لا يزال يبعد نحو عشرة أشهر.
حكومة «ميلوني» تهاجم حكم المحكمة الأوروبية
وفي الوقت نفسه، يواصل ممثلو الحكومة الإيطالية هجومهم على قرار المحكمة الأوروبية. وقال وزير الداخلية «ماتِّيو بيانتيدوزي» إن "الحكم لن يغيّر نهجنا، وسنواصل السير في الطريق نفسه"، رغم أن الخطة الوحيدة المطروحة حاليًا لتشغيل "مركز جادير" في ألبانيا تقتصر على ترحيل المهاجرين "غير النظاميين" من إيطاليا.
انتقادات وتحريض من اليمين المتشدد
أما نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية «أنطونيو تاياني» (من حزب فورتسا إيطاليا)، فوصف قرار المحكمة بأنه "بلا معنى". في حين استخدمت "الرابطة" (ليغا) لغة أكثر حدة، متهمةً المحكمة بـ"الاعتداء القضائي الأحمر" على حدود إيطاليا وأوروبا، مضيفة: "لن نستسلم أبدًا، ونحن مستعدُّون للمعركة".
كما أعلن أنصار «ماتِّيو سالْفيني» عن نيَّتهم تقديم اقتراح لسحب الثقة من رئيسة المفوضية «أورسولا فون دير لاين» في الخريف، بالتعاون مع مجموعة "الوطنيين" في البرلمان الأوروبي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق