وقال وزير الهجرة الدنماركي «كاره ديبفاد» (Kaare Dybvad)، الذي تتولّى بلاده حاليًا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، في تصريح لصحيفة "فاينانشال تايمز": “أعتقد أنَّ هناك دعمًا واسعًا ”. وأضاف أن فكرة إرسال طالبي اللجوء خارج التكتُّل “تحظى الآن بزخم كبير”.
وأشار «ديبفاد» إلى أنَّ "الحل الأمثل يتمثَّل في إنشاء مراكز لجوء في دول شمال إفريقيا أو في دول مستقرَّة تتمتَّع بحكومات قوية قادرة على إدارة مثل هذه المراكز"، في إشارة إلى المملكة المغربية وتونس والجزائر.
من ناحية الرباط، كان وزير الخارجية المغربي، «ناصر بوريطة»، أكَّد، الجمعة 26 أكتوبر 2018، على أنَّ بلاده "لم ولن تلعب دور الحارس" في قضية الهجرة لصالح أي طرف، مجدِّدًا رفض المغرب لمقترح الاتحاد الأوروبي الخاص بإنشاء مراكز لإيواء المهاجرين، في إطار معالجة ملف الهجرة غير الشرعية.معتبرًا أن “المقترح الأوروبي يمس القيم المشتركة، و"غير قادر على حل مشكلة تدفُّقات المهاجرين غير النظاميين.”
وأوضح أن الأفكار التي تُبرِّر إقامة هذه المراكز "ليست فقط غير فعَّالة، بل لها أيضًا نتائج عكسية وخطيرة"، مضيفًا أن الهجرة "إشكالية إنسانية في المقام الأوَّل، وأنَّ الشراكة الإفريقية – الأوروبية لا يمكن أن تقتصر على الجوانب الأمنية فقط".
وتُعدُّ الدنمارك وإيطاليا وألمانيا بين الدول التي تدعو إلى إنشاء مراكز في دول خارج الاتحاد لاستضافة الأشخاص بانتظار البت في طلبات لجوئهم أو إعادتهم إلى بلدانهم.
«ديبفاد»، وهو من الحزب الديمقراطي الاجتماعي وقاد في السابق خطة رواندا الفاشلة في بلاده، استذكر موجة الغضب التي أثارتها هذه الفكرة. فقد أوقفت الحكومة الدنماركية المشروع في يناير 2023 وسط جدل سياسي داخلي، كما أسقطت المحكمة العليا البريطانية الخطة المماثلة في المملكة المتحدة في وقت لاحق من العام نفسه.
لكن «ديبفاد» أشار إلى أنه “عندما ألتقي الآن بزملاء من دول كبرى مثل ألمانيا وفرنسا وبولندا وإيطاليا، أجد دعمًا قويًا جدًا للمُضي قدمًا.”
من جانبه، قال وزير الداخلية الألماني «ألكسندر دوبرينت» (Alexander Dobrindt)، وهو محافظ من "بافاريا"، الشهر الماضي، إن “النماذج التي تشمل دولًا ثالثة تحظى بدعم الأغلبية. وقد أوضحت غالبية ساحقة من الدول الأعضاء أن هذا هو المسار الذي يجب على الاتحاد الأوروبي اتِّباعه.”
ويبدو التحوُّل في الموقف الألماني لافتا للانتباه، إذ فتحت برلين أبوابها قبل عقد من الزمن أمام اللاجئين القادمين من سوريا ومناطق نزاع أخرى، عندما أكدت المستشارة آنذاك «أنغيلا ميركل» (Angela Merkel) للمواطنين: "سنتمكَّن من التعامل مع الأمر".
لكن تصاعد الخطاب المعادي للمهاجرين، الذي غذَّاه حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرِّف، إلى جانب وقوع عدة هجمات دامية نفَّذها مهاجرون، دفع برلين إلى تبنِّي إجراءات أكثر تشدُّدًا. كما غيَّرت دول أخرى كانت مؤيِّدة للمهاجرين، مثل لوكسمبورغ، موقفها بعد وصول حكومات يمينية إلى السُّلطة.
ويأتي التحوُّل المفاجئ في موقف الاتحاد من "تصدير" ملف الهجرة، وسط ارتفاع ملحوظ في الدَّعم الشعبي لليمين المتطرِّف، الذي جعل من ملف الهجرة قضيته المحورية. لكن مساعي إسناد إجراءات اللجوء إلى دول أخرى واجهت انتكاسات قانونية، إذ حذَّر المدافعون عن حقوق الإنسان من أن هذه الخطط قد تقوض الأُسُس التي قام عليها الاتحاد الأوروبي.
«» “”
وقالت «أوليفيا سوندبرغ دييز» (Olivia Sundberg Diez)، الناشطة في شؤون الهجرة بمنظمة العفو الدولية: “هناك توجُّه عام في سياسات الهجرة واللجوء في الاتحاد الأوروبي لجعل حقوق الإنسان مسألة ثانوية أمام المصالح السياسية.”
وكانت خطة بريطانيا، التي نصَّت على إرسال طالبي اللجوء إلى رواندا لمعالجة طلباتهم هناك، قد أُبطلت بقرار من المحكمة العليا البريطانية، التي أعربت عن مخاوف من احتمال تَعرُّض المرحَّلين للأذى. وحاول رئيس الوزراء آنذاك «ريشي سوناك» إنقاذ الخطة عبر تصنيف رواندا "بلداً آمناً"، إلَّا أنَّ الحكومة الحالية تخلَّت عن المشروع.
وفي الأسبوع الماضي، واجهت إيطاليا تحدِّيًا مشابهًا عندما أبطلت أعلى محكمة في الاتحاد الأوروبي حجَّتها القائلة بإمكانية تصنيف بعض الدول على أنَّها "آمنة" لإعادة المهاجرين إليها. ما جعل رئيسة الوزراء «جورجا ميلوني» (Giorgia Meloni) ترد بغضب، متَّهمةً محكمة العدل الأوروبية بتجاوز صلاحياتها.
وقالت «أندريينا دي ليو» (Andreina de Leo)، الباحثة في شؤون الهجرة بجامعة ماستريخت، إنَّ الحكم “لم يكن مفاجئا” لأنَّه أيَّد قرارات المحاكم الإيطالية، لكن بالنسبة لِـ «ميلوني» وحكومتها اليمينية، “اكتسبت هذه الخطة رمزية كبيرة” جعلت رئيسة الوزراء مضطرَّةً للرد بعنف.
وكانت «ميلوني» قد أبرمت العام الماضي اتفاقًا مع ألبانيا لإنشاء مراكز احتجاز مغلقة يُنقَل إليها المهاجرون ريثما تُبت طلبات لجوئهم إلى إيطاليا، والتي كان يُرجح رفض معظمها.
لكن بعد أن طعنت المحاكم الإيطالية في الخطة، عَدَّلت روما الغرض من هذه المراكز لاستخدامها في احتجاز المهاجرين بانتظار ترحيلهم. ومنذ ذلك الحين، نُقِل إليها بضع عشرات من الأشخاص، لكن معظمهم أُعيدوا إلى إيطاليا قبل ترحيلهم، ما زاد من التكاليف.
وقال «ماشيه دوشتشيك» (Maciej Duszczyk)، وكيل وزارة الدولة البولندية لشؤون الهجرة: “بصراحة، هذا المفهوم لا يعمل بشكل جيد.”
ورغم ذلك، دعمت المفوضية الأوروبية فكرة إرسال الأشخاص الذين ينتظرون الترحيل إلى "مراكز عودة" خارج الاتحاد، مثل المراكز التي أُعيد تخصيصها في ألبانيا.
كما أَعَدت بروكسل مشروع قانون قد يجعل الخطة الإيطالية الأصلية قابلة للتنفيذ، عبر اقتراح قائمة أوروبية بالدول "الآمنة"، والسماح للدول الأعضاء بإرسال طالبي اللجوء إليها حتى في حال عدم وجود صلة تربطهم بتلك البلدان.
وقال مسؤول في الاتحاد الأوروبي: “سيكون من الممكن مجدَّدًا تطبيق النموذج الإيطالي”، مضيفا أن الحكومات “ستجري التعديلات اللَّازمة” لتمكين معالجة طلبات اللجوء خارج التكتُّل.
وبحسب مصدرين مطَّلعين، فإن ألمانيا تجري محادثات مع رواندا لاستنساخ الخطة البريطانية، لكن من غير الواضح مدى تَقدُّم المفاوضات في ظل الاعتراضات القانونية السابقة.
كما أعلنت رواندا هذا الأسبوع أنَّها وافقت على استقبال 250 مهاجرًا رُحِّلوا من الولايات المتحدة، وفقًا لما ذكرته حكومة "كيغالي".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق