لكن جوهر هذا الطرح يتجاوز حدود أوكرانيا، ليعيد فتح سؤال مرعب: هل تصبح فكرة إعادة رسم الخرائط قاعدة جديدة في العلاقات الدولية، تقضي بأن "الأرض لمن يسيطر عليها بالقوة"؟
ما وراء أوكرانيا: انعكاسات خطيرة على الشرق الأوسط
عندما يُشرعن مبدأ تبادل الأراضي، يصبح من السهل تخيل سيناريوهات مشابهة في مناطق ملتهبة:
-
أن تقول إسرائيل إنها ستضم جزءاً من سوريا أو سيناء بحجة "الضرورة الأمنية".
-
أن تدّعي روسيا حقها في اللاذقية أو أنطاليا بحجة وجود جاليات روسية كبيرة.
-
أن تُفتح شهية قوى أخرى لإحياء روايات تاريخية حول "الأرض المفقودة".
بهذا المعنى، القضية الأوكرانية ليست بعيدة عن خرائط الشرق الأوسط أو شرق المتوسط. فهي تمهّد – إن لم تُواجه – لتقويض مبدأ السيادة الوطنية الذي قام عليه النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية.
أوروبا في موقع التابع
المفارقة أن القمة أظهرت عجز القارة الأوروبية عن صياغة موقف مستقل. قادة فرنسا وألمانيا وبريطانيا وغيرهم ظهروا أقرب إلى حماة لزيلينسكي أمام ضغوط ترامب، لا كمفاوضين متساوين. المشهد استدعى إلى الأذهان تاريخ أوروبا في القرنين الماضيين: تقسيمات، كيانات فسيفسائية، تبعية للقوى الكبرى.
إنها لحظة تكشف أن القرار النهائي في الملف الأوكراني – وربما الأوروبي ككل – ما زال يُصاغ في واشنطن وموسكو، لا في باريس أو برلين.
بالنسبة للعالم العربي والإسلامي، فإن هذا المسار يحمل إنذاراً مزدوجاً:
-
أن الضعف والتجزئة يفتحان الباب لتكرار سيناريو "سايكس–بيكو" جديد.
-
أن بقاء الدول رهينة استيراد السلاح يعني أنها بلا جيش حقيقي، مهما كثرت ترساناتها.
التحولات الجارية تذكرنا بأن القوة وحدها هي الضامن لحدود الدول، لا مواثيق الأمم المتحدة ولا عهود "عدم الاعتداء".
قمة «ترامب–زيلينسكي» لم تكن مجرد حدث عابر، بل ناقوس خطر. ما يُرسم هناك قد ينعكس هنا. وما يُفرض في أوكرانيا قد يصبح نموذجاً يعاد تطبيقه في سوريا، تركيا، أو حتى مصر. والدرس الأكبر: أن الشعوب التي لا تصنع قوتها ووحدتها ستظل رهينة خرائط يرسمها الأخرون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق