حادثة كشفت ما وراءها
«رامي الجمال»، شاب مصري، توفي بعد ملاحقة من قبل عناصر أمنية في ميلانو، وهي حادثة سرعان ما أثارت الجدل في الأوساط الحقوقية والإعلامية الإيطالية. غير أن ما زاد القضية تعقيدًا لم يكن فقط ظروف الوفاة، بل ما تبعها من مزاعم حول سلوك بعض رجال الأمن الذين يُفترض أن يكونوا حماة القانون، فإذا بهم يُتهمون بالسعي إلى إخفاء الحقيقة.
تشير وثائق التحقيق إلى أن عناصر الكارابينييري الأربعة المشتبه بهم قد تدخلوا بشكل مباشر لإجبار اثنين من شهود العيان على حذف مقاطع فيديو وثّقت اللحظات الأخيرة للمطاردة، وهي لقطات يُعتقد أنها كانت تحوي أدلة مهمة لفهم ما جرى في تلك الليلة. هذه الأفعال، في حال ثبوتها، لا تعد مجرد مخالفات إجرائية، بل قد ترقى إلى مستوى التلاعب بالعدالة وإعاقة مسار التحقيق القضائي.
أبعاد قانونية وأخلاقية
التهم التي تلاحق المتورطين المحتملين لا تقتصر على طمس أدلة، بل تشمل أيضًا ما يُعرف قانونيًا بـ"تقديم العون لتفادي المحاسبة الجنائية"، وهو توصيف قانوني ثقيل يعكس خطورة الأفعال المنسوبة إليهم. فحين تتحول الجهة المكلفة بحماية العدالة إلى طرف يعمل على إجهاضها، فإننا لا نكون أمام تجاوز فردي فحسب، بل أمام تهديد لمبدأ سيادة القانون برمته.
القضية تطرح تساؤلات جوهرية حول مدى التزام أجهزة إنفاذ القانون في بعض الدول الأوروبية بالمعايير القانونية والأخلاقية، خاصة عندما يتعلق الأمر بفئة تعتبر الأضعف اجتماعيًا وقانونيًا، مثل المهاجرين غير الأوروبيين.
منظور حقوقي يتصاعد
مع اقتراب النيابة من اتخاذ قرار بشأن إحالة المتهمين إلى المحاكمة، تتعالى الأصوات الحقوقية المطالِبة بكشف الحقيقة ومحاسبة كل من يثبت تورطه، سواء في الحادث نفسه أو في محاولات التستر عليه. وترى العديد من المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان أن ما جرى يمثل اختبارًا حقيقيًا لشفافية المنظومة القضائية الإيطالية واستقلاليتها.
وإذا كانت التحقيقات قد كشفت عن محاولات لطمس الأدلة، فإن مجرد فتح هذا الملف وملاحقة المشتبه بهم قضائيًا يُعد خطوة ضرورية – وإن كانت غير كافية – لضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات.
ما بعد الجمال
قضية «رامي الجمال» لم تعد مجرّد ملف جنائي، بل تحولت إلى مرآة تعكس التوتر القائم بين الأمن والعدالة، ومؤشرًا على التحديات التي تواجهها الديمقراطيات الغربية في إدارة ملف المهاجرين. العدالة الحقيقية لا تُقاس بسرعة إغلاق الملفات، بل بقدرتها على كشف الحقيقة، أياً كانت، ومحاسبة كل من يعبث بها، أياً كان موقعه.
إن محاسبة المسؤولين عن وفاة «رامي الجمال» ـ أو عن التستر على ملابساتها ـ لا تخص عائلته وحدها، بل تتعلق بثقة مجتمع كامل في مؤسساته، وبحق كل إنسان في أن يُعامل أمام القانون كإنسان، لا كأقلية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق