الحادثة كانت الشرارة لنشر نحو 40 ألف جندي على طول الحدود الشرقية مع بيلاروسيا وروسيا، في إطار خطة أوسع تشمل استخدام طائرات مقاتلة، فرقاطات، أنظمة رادار متطوِّرة، وقدرات مضادَّة للمُسيِّرات، بمشاركة دول عدة بينها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والدنمارك وهولندا.
وقال الأمين العام للحلف، «مارك روته»، في مؤتمر صحفي: «سواء كان الهجوم متعمَّدًا أو لا، فإنَّ روسيا انتهكت المجال الجوي للناتو على نحو غير مسبوق». وأضاف أن مهمَّة الحلف الأساسية في الرَّدع والدِّفاع عن جميع أعضائه تستوجب تعزيز الحماية على الجناح الشرقي.
المهمَّة ستغطي نطاقًا جغرافيًا واسعًا من بحر البلطيق حتى البحر الأسود، مع هدف أساسي هو ضمان المراقبة المستمرَّة والاستجابة السريعة لأي تهديدات محتملة. وبين الخيارات المطروحة، إنشاء منطقة حظر جوي جزئية على الحدود البولندية–الأوكرانية لاعتراض المسيّرات المعادية قبل دخولها أراضي "الناتو"، إلَّا أن الفكرة لا تزال في مرحلة النقاش وتواجه تحفُّظًا، بالأخص من الولايات المتحدة التي تخشى مخاطر التصعيد.
سيتولى قيادة العملية الجنرال «أليكسوس غرينكويتش»، القائد الأعلى لقوات الحلف في أوروبا، الذي أكَّد على أنَّ المهمَّة صُمِّمت لتكون «مرنة وسريعة التكيُّف» مع مختلف أشكال التهديدات. وعلى الصعيد العملي، ستتمتَّع العملية بطابع مُجزَّأ ومرن، إذ تضمُّ أصولًا عسكرية متعدِّدة منها مقاتلات فرنسية من طراز "رافال"، وألمانية من طراز "يوروفايتر"، ودنماركية من طراز "إف-16"، إضافة إلى فرقاطة دنماركية، أنظمة رادار متقدِّمة، ووسائل مضادَّة للمُسيِّرات. أمَّا بريطانيا فأعلنت عن نيَّتها المشاركة بقدرات تشغيلية من دون كشف التفاصيل حتّى الآن.
ويُنظَر إلى هذه الخطوة باعتبارها تعزيزًا وقائيًا لسد الثغرات الدفاعية التي كشفتها الأحداث الأخيرة. ومن المقرَّر أن تبدأ الأنشطة متعددة المجالات خلال الأيَّام المقبلة، على أن تستمرَّ لفترة غير محدَّدة.
غير أنَّ هذه المبادرة، التي احتفى بها الغرب كدليل على وحدة الصف وسرعة الاستجابة، كشفت في الوقت ذاته عن ثغرات في قدرات الدفاع الجوي للناتو. أبرزها:
-
صعوبة إثبات مصدر المسيّرات ونوايا استخدامها، إذ لا توجد أدلة قاطعة على أن موسكو أمرت بإرسالها أو أن اختراقها للأجواء البولندية كان مقصودًا. وقد نفى الكرملين الاتهامات واعتبرها "بلا أساس".
-
تأخر تحديث النظام البولندي المضاد للمسيّرات "SkyCTRL" لأشهر عدة بسبب مشكلات في التمويل، ما جعله غير مكتمل الجاهزية عند وقوع الحادثة.
-
ثغرات في تغطية الرادارات والإنذار المبكر، حيث أظهرت المسيّرات منخفضة الارتفاع والضعيفة البصمة الرادارية قدرة على الإفلات من الرقابة في بعض المناطق.
مع عملية "حارس الشرق"، يتحوَّل الجناح الشرقي للحلف إلى منطقة مراقبة دائمة، حيث ستعمل القوات الجوية والبحرية والبرِّية معًا لاعتراض أي محاولات اختراق جديدة. لكنها في الوقت نفسه تعكس توجُّهًا نحو عسكرة أكبر لأوروبا الشرقية، رغم غياب أدلة دامغة على طبيعة الانتهاكات الأخيرة.
وتُحذِّر أوساط مراقبة من أنَّ لهذه الخطوة تكاليف سياسية وعسكرية، أبرزها: ارتفاع أعباء الإنفاق على الدول الأعضاء، احتمال وقوع حوادث في مناطق مكتظة بالوجود العسكري، وزيادة مخاطر التصعيد مع روسيا نتيجة أي سوء تقدير أو سوء فهم.
في المحصلة، تمثِّل "حارس الشرق" اختبارًا عمليًا وسياسيًا للناتو، ليس فقط لإظهار قدرته على الرَّدع، بل أيضًا لضمان أمن فعلي لأعضائه. غير أنَّ نجاحها سيظل رهنًا بمدى شفافيتها واستمراريتها، وقدرتها على إثبات فعاليتها في مواجهة التهديدات المستجدَّة.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق