تزامن افتتاح السًّد مع القمة الإفريقية الثانية حول التغيُّر المناخي، بحضور وفود من دول إفريقية عدَّة. وقد شارك في حفل التدشين الرئيس الكيني «ويليام روتو» والرئيس الصومالي «حسن شيخ محمود». أما رئيس الوزراء الإثيوبي «آبي أحمد» فقد وصف المشروع بأنَّه «فرصة مشتركة للمنطقة بأسرها»، مؤكدًا في الوقت ذاته على أنَّ الهدف الأساسي هو دفع عجلة النمو الاقتصادي الإثيوبي، الذي كان قد شهد قبل الجائحة معدَّلات قياسية وصلت إلى %10، قبل أن يتباطأ خلال سنوات «كوفيد» ويعاود الانتعاش منذ عام 2022.
بدأت الدراسات على مجرى النيل الأزرق لتحديد موقع بناء السَّد عام 1956، لكنها توقَّفت إثر انقلاب عام 1974. ولم يُستأنف الحديث عن المشروع إلَّا في 2009، ثم وُضع حجر الأساس في 31 مارس 2011. وقبل ذلك بعام، وُقِّع في "عنتيبي" (أوغندا) «الاتفاق الإطاري للتعاون في حوض النيل» لإدارة الموارد المائية بصورة عادلة ومستدامة، ووقَّعت عليه إثيوبيا وكينيا وتنزانيا وأوغندا ورواندا وبوروندي، فيما رفضت مصر والسودان الانضمام إليه.
ومنذ انطلاق أعمال البناء، تبادلت "أديس أبابا" من جهة، والقاهرة والخرطوم من جهة أخرى، الاتِّهامات. فمصر والسودان يؤكِّدان على أنَّ إثيوبيا تجاهلت تأثير السَّد على الزراعة والمخزون المائي لديهما، خاصة أن عملية الإنشاء والملء، بسعة تصل إلى 74 مليار متر مكعب، جرت من جانب أحادي من دون اتفاق ملزِم بشأن إدارة الخزان وتدفق المياه. وقد بلغت التوتُّرات ذروتها مؤخَّرًا حين أصدرت القاهرة والخرطوم بيانًا مشتركًا اعتبرتا فيه السَّد “تهديدًا لاستقرار المنطقة”. وفي يوليو الماضي، صرّح «آبي أحمد» قائلاً: “إثيوبيا لا تزال ملتزمةً بضمان ألَّا يكون نموُّها على حساب أشقائنا المصريين والسودانيين”، لكن هذه التصريحات لم تُقنِع القاهرة التي تعتمد بأكثر من %50 من مواردها المائية على النيل، والذي ارتبطت به الزراعة المصرية منذ عهد الفراعنة. أمَّا السودان، الواقعة على بُعد 15 كيلومترًا فقط من السَّد، فتخشى انعكاساته المباشرة، في ظل أزمة إنسانية متفاقمة بفعل الحرب الأهلية. ومع ذلك، يرى بعض السودانيين أنَّ السَّد قد يساهم أيضًا في الحدِّ من الفيضانات غرب البلاد.
منذ انطلاق المشروع عام 2011، لم يُتوصَّل إلى اتفاق مُلزِم يضمن انسياب المياه، والتنسيق التشغيلي، والإجراءات الأمنية، بينما تواصل مصر تمسُّكها بالبروتوكولات التاريخية الموقَّعة مطلع القرن العشرين، والتي تقرُّ بأنَّ %95 من مياه النيل هي من حصَّتها، مع حصول السودان على النسبة الباقية.
غير أن أطرافًا أخرى دخلت على خط المشروع العملاق. ففي عام 2019، أبرمت الصين اتفاقًا بقيمة 40 مليون دولار بين «شركة الطاقة الكهربائية الإثيوبية» و«مجموعة تشاينا غيتزوبا» بشأن الأنشطة المتعلِّقة بالسَّد. كذلك حضرت إيطاليا، القوة الاستعمارية السابقة في إثيوبيا، عبر مجموعة Webuild العاملة في قطاع الإنشاءات، والتي فازت بعقد السَّد البالغ قيمته 5 مليارات دولار.
وقد صرَّح المدير التنفيذي للمجموعة، «بيترو ساليني»، بأن “سد النهضة أكثر من مُجرَّد سد، إنه تجسيد للتنمية المستدامة في إفريقيا.” وأضاف أنَّ المشروع “ينسجم مع استراتيجية خطة ماتي الهادفة إلى توفير الماء والطاقة والصحة والبنية التحتية حيثما دعت الحاجة، عبر استثمارات تولُّد تنمية حقيقية، وهو ما يجعل مشاركة الشركات الإيطالية ذات أهمِّية استراتيجية.”
وفي منطقة اعتادت الحروب المدمِّرة من أجل السيطرة على موارد كالبترول والذَّهب، قد تكون المياه هي الشرارة الأخيرة.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق