رئيس الوزراء الإيطالي آنذاك، «بيتينو كراكسي» (Bettino Craxi)، كلف وزير الخارجية «جوليو أندريوتي» (Giulio Andriotti) بمتابعة القضية والدخول في مفاوضات مع الخاطفين. وفي غضون ساعات قليلة، أجرى «أندريوتي» اتصالات مكثفة مع أبرز قادة العالم العربي، بينهم الدكتاتور المصري حسني مبارك، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية «ياسر عرفات» الذي أدان العملية ووصفها بمحاولة لتقويض جهود السلام، وحتى الدكتاتور السوري «حافظ الأسد» الذي كان موجودًا سرًا في ألمانيا حينها لإرساء أسس الأمن لدولة إسرائيل المزعومة.
وبعد يومين من المفاوضات الشاقَّة، حدث التوصُّل إلى تسوية: الخاطفون يفرجون عن السفينة وكامل ركابها من دون أذى، مقابل ضمان إيطالي بخروجهم آمنين. غير أن الولايات المتحدة وإسرائيل عارضتا بشدَّة هذا الاتِّفاق، خصوصًا بعدما تبيَّن أن الرهينة الوحيدة التي قُتلت خلال العملية كانت أمريكيًا يهوديًا، وكان يُدعى «ليون كلينغهوفر».
مع ذلك، تمسَّكت إيطاليا بموقفها الذي رأت أنه يخدم مصالحها الوطنية. وصلت السَّفينة إلى أحد الموانئ المصرية، وسَلَّم الخاطفون السفينة قبل أن يصعدوا على متن طائرة متَّجهة إلى تونس. لكن خلال الرحلة، اعترضت الطائرة أربعة مقاتلات أمريكية وأجبرتها على الهبوط في قاعدة "سيغونيلا" (Sigonella) الجوية بجزيرة صقلية، حيث كانت قوة أمريكية خاصة من "دلتا فورس' بانتظار استلام الخاطفين.
إلَّا أنَّ المشهد تطوَّر بشكل غير مسبوق وكاد أن تسود فيه رائحة البارود: أصدر «كراكسي» أوامره للجيش الإيطالي بتطويق الطائرة ومنع القوات الأمريكية من التدخُّل. وهكذا وجد الجنود الإيطاليون أنفسهم في مواجهة مباشرة مع جنود أمريكيين، في وضع متوتِّر استغرق أكثر من خمس ساعات، حيث تبادل الطرفان تصويب أسلحتهم وجهًا لوجه. هذه المواجهة عُرفت لاحقًا باسم "أزمة سيغونيلا"، واعتُبرت واحدة من اللَّحظات النادرة التي أظهرت فيها إيطاليا نزعة سيادية واضحة في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
الرئيس الأمريكي «رونالد ريغان»، الغاضب من الموقف، اتصل بِـ «كراكسي» مطالِبًا بالإفراج الفوري عن الخاطفين. لكن الأخير رفض التراجع قائلًا إن السفينة إيطالية، والأرض إيطالية، والمصالح إيطالية. وعند السادسة صباحًا، اضطر «ريغان» إلى إصدار أمر بسحب قواته الخاصة، ليحسم «كراكسي» المواجهة لصالح السيادة الإيطالية.
هذه الحادثة تبقى شاهدًا على أن مستوى السيادة الوطنية لأي دولة يتوقَّف دائمًا على قوَّة وشجاعة قيادتها السياسية. لكن، هذه الشجاعة اختفت تماما مع أسوأ حكومة في تاريخ الجمهورية الإيطالية. يعني مع حكومة جروجا ميلوني، التي لا تتردد في استشارة الولايات المتحدة أو ألمانيا لاتخاذ قرار يميز إيطاليا ويضعها في قائمة الدول ذات الوزن الثقيل والمؤثر. وترجع مسألة فقدان إيطاليا لاستقلالها في اتخاذ القرارات، سواء وطنية أو دولية، في عهد ميلوني إلى عدَّة أسباب:
الالتزامات الدولية والاتفاقيات
كدولة عضو في الاتحاد الأوروبي، إيطاليا مُلزمة باتّباع القوانين المطبقة على الدول الأعضاء، وبالعمل ضمن معايير اقتصادية ومالية يحددها الاتحاد، وكذلك التزامات الدفاع والتحالفات الدولية. هذه الالتزامات تُلزم الحكومة في بعض الأحيان باتخاذ قرارات تتناغم مع سياسات الاتحاد أو مع الشركاء الدوليين، حتى لو كانت الحكومة تفضّل خيارًا آخر.
