إحدى القضايا المثيرة للجدل تمثّلت في مقترح إنشاء "جدار مضاد للطائرات المسيّرة" على الحدود الشرقية للاتحاد. فدول مثل بولندا ودول البلطيق طالبت ببناء منظومة دفاع جوي منسقة على غرار "القبة الحديدية" الإسرائيلية وبتمويل أوروبي مشترك، في حين أبدت حكومات أخرى تحفظات خشية التكاليف الباهظة وتداعيات عسكرة الحدود بشكل دائم.
وفي خضم النقاشات، صعّد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) «مارك روته» لهجته محذِّرا من الخطر الروسي، قائلاً: "نحن جميعاً في مرمى الخطر. الصواريخ الروسية المتطورة قادرة على ضرب روما أو أمستردام أو لندن بسرعة تفوق خمس مرات سرعة الصوت".
أما مسألة انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي فقد فجّرت جدلاً واسعا، حيث جدد رئيس الوزراء المجري «فيكتور أوربان» رفضه القاطع لعضوية كييف، مقترحاً بدلاً من ذلك عقد "اتفاق استراتيجي" لا يمنحها صفة العضو الكامل. واستند أوربان إلى المادة 49 من معاهدة الاتحاد الأوروبي التي تنصُّ على ضرورة إجماع الدول الأعضاء على أي عملية توسع. واعتبر أن المسار الذي يسلكه الاتحاد "مضر بالمجر وبالاتحاد الأوروبي بأسره"، معلناً إطلاق حزبه الحاكم حملة لجمع توقيعات ضد ما وصفه بـ"خطط الحرب الأوروبية". موقفٌ يعكس صورة مغايرة لخطاب الوحدة الذي تحاول بروكسل إظهاره، ويؤكِّد هشاشة التماسك الداخلي الأوروبي.
دعم مالي وعسكري مثير للجدل
الاجتماع أعاد طرح حزمة جديدة من المساعدات الاقتصادية والعسكرية لأوكرانيا، تتضمن قرضاً بقيمة 50 مليار يورو يُموَّل جزئيًا من الأصول الروسية المجمّدة، وهي خطوة تثير خلافات قانونية وسياسية حادة داخل الاتحاد.
رد موسكو
من منتدى "فالداي" في "سوتشي"، سارع الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» إلى نفي الاتهامات الغربية بشأن نية بلاده مهاجمة أوروبا، واصفاً إياها بـ"البروباغندا الموجهة للرأي العام الغربي". وأضاف بسخرية: "يمكنهم أن يناموا بهدوء. مشكلاتهم الحقيقية تكمن في الهجرة والأزمات الاقتصادية".
«بوتين» أكد في الوقت نفسه أن بلاده لن تسمح بأي تراجع في قوتها العسكرية، مشدداً على أن الحرب في أوكرانيا حوّلت الجيش الروسي إلى "واحد من أكثر الجيوش استعداداً في العالم"، وقادراً على مواجهة ما سماه "كتلة الناتو بأكملها".
وفي سياق متصل، اتهم بوتين فرنسا بالقيام بعمل "قرصنة" بعد احتجازها ناقلة النفط "بوراكاي" المشتبه بانتمائها إلى "الأسطول الروسي المظلل"، محذراً من تزايد احتمالات وقوع "حوادث خطيرة" في البحار. كما علّق على تصريحات الرئيس الأميركي «دونالد ترامب»، الذي وصف روسيا بأنها "نمر من ورق"، قائلاً إن "الوقائع الميدانية" تُكذّب هذه العبارة. وأشاد بوتين بالرئيس الأميركي الحالي، معتبراً أنه "على الأقل يبدي استعداداً للاستماع إلى موسكو".
وأطلق الرئيس الروسي تحذيراً مباشراً إلى واشنطن بشأن تزويد كييف بصواريخ "توماهوك"، مؤكداً أن هذه الخطوة "لن تغيّر مسار الحرب لكنها ستفتح مرحلة جديدة من التصعيد".
الأصول المجمّدة.. "الملف الأخطر"
لا يزال ملف الأصول الروسية المجمّدة الأكثر حساسية، إذ تعتبر موسكو استخدام الاتحاد الأوروبي لها "سرقة مشرعنة" تنتهك القانون الدولي، ملوّحة بإجراءات انتقامية قد تتجاوز الإطار الاقتصادي.
وبينما تداولت وسائل إعلام غربية تقارير عن مرسوم رئاسي روسي يقضي بمصادرة ممتلكات أجنبية، أوضح الكرملين أن المرسوم رقم 693 الصادر في 30 سبتمبر يقتصر على تسريع بيع الأصول الفيدرالية المملوكة للدولة عبر إجراءات تقييم سريعة تشرف عليها "بنك برومسفيزبنك" الحكومي، دون أي ذكر لمصادرة ممتلكات خاصة أو أصول حكومية أجنبية. واعتُبر المرسوم رسالة سياسية أكثر من كونه إجراءً اقتصادياً مباشراً، في إطار تعزيز ما تسميه موسكو "أدوات الصمود أمام الحرب الاقتصادية والمالية الغربية".
صورة قاتمة للوضع الأوروبي
ما بين خلافات قادة الاتحاد الأوروبي وردود موسكو الحادة، تبرز صورة قاتمة لعلاقة تتجه نحو مزيد من التصعيد وانعدام الثقة. الاتحاد الأوروبي، المنقسم داخلياً، يسعى إلى إظهار جبهة موحدة عبر تمويل كييف، لكن توجهه نحو "تسليح دائم" يثير مخاوف من عسكرة القارة. وفي المقابل، تواصل روسيا التنديد بما تعتبره "انحرافاً غربياً"، وتستعد بخطوات تعزز قبضتها الاقتصادية والدفاعية، تمهيداً لاحتمالات مواجهة أشد.
في المحصلة، يبقى المواطن الأوروبي الحلقة الأضعف: عرضة لمخاطر حرب تتحوّل تدريجياً إلى جزء من خطاب السياسة الداخلية، ومحصوراً في قارة أكثر انقساماً وعجزاً عن رسم مسار بديل غير التصعيد. فبينما تلوّح بروكسل بالمليارات والجدران الدفاعية، تلوّح موسكو بالرد، في مشهد يجعل السلام أبعد من أي وقت مضى.
